الصبار (أكناري) فاكهة الفقراء تجتث من قرى جبال سوس: نبات في حاجة لإعادة الإعمار؟

بقلم – امحمد القاضي
رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله.

أظن أن تسمية نبات التين الشوكي بالصبار، لربما راجع لكونه يصبر للجفاف ويقاوم العوامل الطبيعية القاسية، بل ويزرع وينبت بشكل طبيعي في الأماكن الوعرة بالجبال والسهول على حد سواء. نبات مناضل عصامي لا يحتاج لسقي وإستهلاك مفرط للموارد المائية، يقتات على القلة. رغم أن “تكناريت” تحمل العديد من المسميات، لأنها محبوبة الجماهير عند التحلية خاصة في فصل الصيف، إلا أنها لا تستسلم لتقلب الفصول وتحافظ على ماء وجهها المخضر، ولا تحب الإزدواجية وتحرس على نفس الشكل والقساوة والموقف على مر الزمان. وحين يطلق عليها فاكهة صديقة الفقراء، ليس لوفرتها في القرى النائية او لبخس ثمنها، بل لعدالة مواقفها، فهي فاكهة قليلة الفكاهة والمزاح، صعبة الولوج، لا ترحم عند الإفراط في الإستهلاك!! ‘تكناريت’ تعتز بأنوتتها لها شوك يحميها كالأخ الأكبر ويغار منها، ولا يقبل التحرش بها، الإقتراب منها بدون أخذ لوازم الحذر ومسافة الأمان مغامرة قد تدمي الداني دفاعا عن حرمة الإسم والصنف.

مقالات ذات الصلة

أخلاق مهنة التعليم والتدريس في منظومتنا التربوية

العولمة ونظامنا التربوي : من الاختراق الى الهيمنة

بعيدا عن الهزل والمجاز، وقريبا من الواقع المر، أكناري شرط من شروط الوجود بأدرار، نبات لازم الأجداد والمجال، شجيرة تقف بشوكها شاهدا على الزمن الجميل، ودفاعا على الخضرة في عمق القفار. نبات التين الشوكي إستوطن الأمكنة وسط الحقول والمواقع الوعرة. تعايشت معه الساكنة منذ القدم لعدة أسباب، من بينها: كونه نبات مقاوم للجفاف يتأقلم مع طبيعة المكان، ولا يحتاج السقي. الصبار سهل التكاتر ويصلح للأكل وكعلف للماشية. فروعه مسطحة، على شكل ألواح سميكة أو مجاديف، تحافظ على اللون الأخضر على طول السنة، وتؤثث إصفرار الأرض القاحلة. أما صحيا، فقد ثبث طبيا أن “الزعبول” عند التخفيف تناوله غني بالألياف الغذائية والكالسيوم، ومضادات الأكسدة وله فوائد أخرى عديدة. لهذا الغنى يعتبر الكرموس الهندي فاكهة الفقراء ويدخل في النظام الغذائي الشبه يومي للأسر القروية. بعضهم يجففه لتناوله كفاكهة جافة في فصل الشتاء بعد إنتهاء موسم الغلة.

نظرا لأهمية “الهندية” في تثمين المنتوج الطبيعي المحلي بعد الإقبال المتزايد على النبات، أنشأت مؤخرا في نواحي أيت بعمران بإقليم سيدي إفني، حيث يتكاثر التين الشوكي الجيد إذ يتجاوز المحصول هناك 237 ألف طن سنويا، عدة تعاونيات نسوية قطعت أشواطا في تسويق مشتقات التين الشوكي: كالزيت النباتي لفوائده العلاجية ولترطيب البشرة كمستحضرات التجميل، وإنتاج مربى التين بآلات عصرية، وإستخراج شاي أزهار الصبار، إضافة لحبوب التين، التي تشبه حبوب اللقاح عند منتجي العسل، وشرائح “الضرك” الذي تدخل في بعض المكونات الغذائية. التعاونية النسوية لأكناري أعطت قيمة مضافة لنبات الصبار، وقدمت تجربة نمودجية في مجال إعادة الإعتبار للمنتوجات الطبيعية المجالية على الصعيد الوطني نظرا للطلب المتزايد عليها بعد توسيع فرص تسويقها، خاصة مع إزدهار التجارة الإليكترونية على المستوى الوطني والعالمي. مبادرة نسوة أيت بعمران نمودج ناجح لتثمين منتوج الصبار، وفرصة لتوفير مناصب شغل والإدماج الإقتصادي لنساء وشباب المنطقة، ومثال لتمكين الساكنة وضمان إستقلاليتها.

في السنوات الأخيرة قضت آفة الحشرة القرمزية بشكل نهائي وسريع، بحكم تنقل الفيروس القاتل بفعل هبوب الرياح، على نبات الصبار في كل أنحاء المغرب، وتكبدت غرسات النبات بجهة سوس أضرار بليغة، إنقرض معها الصبار بالقرى وتوقفت نهائيا وبشكل مفاجئ عملية قطف تماره. إضافة لإتلاف المنتوج، قضى توالد وتكاثر الحشرة كذلك مضجع الساكنة، إذ أن إنجداب الحشرة نحو مصدر الضوء، يجبر قاطني البوادي على إطفاء الأضواء ليلا تفاديا لهجمات الحشرة الشرسة التي أصبحت تفرض عليهم بإزعاجها العيش في الظلام.

للأسف لم يتم مكافحة الآفة والتصدي لجحافيل الحشرة المدمرة في الوقت المناسب إلى بعد أن أتلفت كل الحقول وإلتهمت فاكهة الفقراء وأجهزت على الغطاء النباتي في سوس وبيئة ربوع الوطن.

تباطأت الجهات الوصية في وضع خطة طوارئ لإحباط هجمات الحشرة وإيجاد علاج للآفة منذ بداية ظهورها في أواخر سنة 2014، وإجتثات الدودة القرمزية رغم ظهور وسائل طبيعية لمكافحة إنتشار الحشرة القاتلة في مناطق أخرى في العالم، كبعض دول أمريكا اللاثنية. تهاون المسؤولين لربما راجع لإحتقار النبتة وإقتصار إستهلاكها والعيش على عائداتها على طبقات إجتماعية معينة، وكونها لا تعد من أعمدة الفلاحة التصديرية. حاليا يتم إعادة غرس أصناف جديدة من الصبار المقاوم للحشرة في عدة أماكن، خاصة بدكالة؛ وبوتيرة متباطئة بجبال الأطلس.

وتجدر الإشارة أنه حسب بلاغ وزاري رسمي تم تدمير 15 ألف هكتار من الصبار في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وعملت وزارة الفلاحة على إقتلاع مايقارب 39 مليون متر طولي من الصبار الشديد الإصابة مابين 2016 – 2023، كما عالجت أزيد من 234 مليون متر طولي من الصبار، وتم توزيع 82 ألف ليتر من المبيدات الحشرية على المناطق المعنية. وفي إطار تجديد النبتة، تم تسجيل 8 أصناف مقاومة لهذه الآفة في سجل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وبدأ غرسها في المناطق المصابة. السؤال المشروع، ما نصيب قرى جبال الأطلس الصغير من هذه المبادرة الرسمية في معالجة الداء؟ جل محاولات إقتلاع وتدمير الصبار الذي يكسو بادية سوس قامت بها الجمعيات المحلية بمساهمات ساكنة الدواوير.

بيت القصيد، أكناري ليس بزارعة هامشية بسوس، لا تستحق إستثمار مجهودات ووسائل القطاع الفلاحي لإعادة إسكان المنطقة بالنبات. الإلتفاتة للجهة ومدها بالأصناف الجديدة تجديد للنشاط المعيشي للساكنة، ووجه من أوجه دعم التنمية الإقتصادية والإجتماعية للمناطق الجبلية المهمشة. إضافة لأهمية الصبار في المحافظة على بيئة صديقة ومكافحة للتصحر، ودوره في تغذية الغطاء النباتي والحفاظ على التربة، وبذلك يحتل أهمية قسوى في تعزيز المجال الطبيعي للمرتفعات الجنوبية.

الزمن كشاف، كعادة ساكنة أعالي جبال الأطلس الصغير بسوس، حظها من برامج التنمية والدعم الفلاحي ومبادرات خلق دينامية وحركية إقتصادية ببعد إنمائي، الإنتظار لغاية تسمين السهول وتخمة المغرب النافع. نصيبها يكاد يكون رقم بصفر على الشمال.

المجال البيئي مهمل وأهميته تأتي في أسفل الأولويات، إن وجدت أصلا على القائمة بأعلي جبال الأطلس الغربي عامة، وبأيت عبد الله والنواحي خاصة. لا وجود للهم الإيكولوجي والحفاظ على التنوع البيولوجي في مخططات المجالس المنتخبة، ويتواجد بشكل ثانوي في أهداف جمعيات المجتمع المدني، وينعدم كحس إنساني عند جل قاطني الجهة، ويندرج بشكل محتشم في البرامج التربوية والحملات التحسيسية للناشئة والساكنة.

بالمناسبة ننادي، كجمعية المجتع المدني، الجهات الوصية، خاصة بعد الدراسات والأبحاث الميدانية والنتائج الإيجابية التي توصل إليها المعهد الوطني للبحث الزاعي في إستنبات نباتات مقاومة للتغيرات المناخية وللحشرات الضارة، بالإلتزام بالعمل بشكل تشاركي على دعم الساكنة المتشبتة بالأرض بجبال الأطلس الصغير بسوس، لبرمجة خطة إستعجالية لإكثار وإعادة إنتشار أصناف الصبار البلدي المتجدر بالجنوب والمنتج للفاكهة الحلوة والمضاض للجفاف والحشرة القرمزية، وتعميم النبتة ذات النفع الغذائي والإقتصادي والحامية للغطاء النباتي والصديقة للبيئة بالمنطقة.

أخيرا، الحفاظ على بيئة الأوطان من الإيمان، والعمل على تنمية الإقتصاد المعيشي لقاطني الجبال من الواجب المهني والمسؤولية الأخلاقية للجهات الوصية. ساهمنا جميعا في إفساد جمالية طبيعة سوس، ونحن مطالبون بإعادتها لسيرتها الأولى.

وعلى حين غرة، على حلم وأمل أن تتحقق النوايا الحسنة وتبتسم الدروب، وتلين الخطوب، وتجود السماء، تصبحون على سوس زمان، ومغرب أخضر.

مقالات ذات صلة

أخلاق مهنة التعليم والتدريس في منظومتنا التربوية

العولمة ونظامنا التربوي : من الاختراق الى الهيمنة

لهيب الاسعار يشتد والمخطط الاخضر في قفص الاتهام

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)