بقلم – سمير السباعي
يعتبر فن الفيديو شكلا تعبيريا انسانيا استطاع أن يفرض نفسه ضمن نسق التعابير الفنية داخل مشهدنا الثقافي المغربي والعالمي على حد سواء. ضمن هذا السياق عقدت اللجنة المنظمة للمهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء في دورته التاسعة والعشرين ندوة صحفية يومه الثلاثاء 31 اكتوبر 2023 على الساعة الخامسة زوالا بفضاء المدرسة العليا للفنون الجميلة بنفس المدينة. و قد كان هذا اللقاء الصحفي فرصة حرص من خلالها المنظمون على بسط الخطوط العريضة التي ستؤطر هذه الدورة من المهرجان الذي سيعقد في الفترة ما بين 07 و 11 نونبر 2023 تحت شعار “من شريط الفيديو الى الذكاء الاصطناعي”. و قد أكد السيد رشيد الحضري عميد كلية الاداب و العلوم الانسانية ابن مسيك بصفته رئيسا لهذا المهرجان، أن سياق هذه الدورة يأتي متفاعلا مع اقتراب موعد اكتمال ثلاثين سنة من عمر هذا الحدث الثقافي والذي كان بالامكان الاحتفاء به هذه السنة لولا عدم التمكن من تنظيم الدورة 29 في موعدها المحدد. لكن هذا لم يمنع الحضري من التأكيد على أن المهرجان خلال هذه السنة سيحرص على أن يسلط الضوء على التحولات الكبرى التي عرفها فن الفيديو منذ نشأته سنة 1963 الى حدود ظهور منطق الرقميات الجديدة في عالم اليوم، سواء من خلال تقديم أنواع من المنجزات الإبتكارية لفن الفيديو من طرف فاعلين جدد، أو من خلال الورشات التكوينية و ماستر كلاص و ندوة فكرية كفقرات أساسية ستعرفها هذه الدورة، ضمن برنامج عام سيعرف مشاركة مختصين في فن الفيديو من داخل المغرب وخارجه. صحيح أن الجهة المنظمة الرئيسية لهذا العرس الفني هي مؤسسة الفن والثقافة التابعة لكلية الاداب والعلوم الانسانية ابن مسيك حسب تصريح الحضري الا أن نفس المتحدث أشار الى أن بعض الجهات الرسمية والخاصة هي منخرطة في تنظيم هذه الدورة. أما عبد المجيد السداتي المدير الفني لهذا المهرجان فقد استعرض التصور العام لهذه الدورة ، معتبرا أن فن الفيديو منذ ظهوره سنة 1963 في ألمانيا استطاع أن يعلن نفسه كجنس فني تعبيري طلاءعي حاول من خلاله السرياليون تجاوز خطاب الصورة الذي حرص التلفاز على الترويج له كنمط من الخطاب الموجه والمتحكم فيه من طرف السلطة. ما جعل السداتي يعتبر أن فن الفيديو منح حقا مساحات تعبيرية يستطيع من خلالها رواد هذا الفن و ممارسيه صناعة الصورة انطلاقا من زاوية نظرهم الخاصة. و قد أبرز نفس المتحدث أن الاصرار كان قويا للحفاظ على استمرارية مهرجان فن الفيديو الدولي للدار البيضاء و جعله يحتل موقعه في الفعل الثقافي المغربي رغم الاكراهات و التحديات التي رافقت تنظيم كل دورة. و هو ما سيجعل من مهرجان هذه السنة فرصة لمناقشة حصيلة مسار هذه الممارسة الثقافية التي تقارب سنتها الثلاثين سواء من خلال الندوة العلمية التي سبق الاشارة اليها والتي ستقارب التحولات التي عرفها فن الفيديو منذ انطلاقته الى حدود بروز الفنون الرقمية الحاضرة بقوة اليوم، أو من خلال تنظيم 12 تنصيبة فنية ناطقة بمشاهد لفن الفيديو بطريقة تفاعلية وأخرى اغتماسية سيتم عرضها بالمركزين الثقافيين الفرنسي و الامريكي بنفس المدينة الى جانب اقامة عرض خاص له علاقة بالواقع الافتراضي ستسضيفه كلية الاداب ابن مسيك. و قد أكد السداتي أن أرضية المهرجان لم تغفل العمق البيداغوجي والتربوي على اعتبار أن هناك ورشات تكوينية موجهة لعموم الطلبة و المهتمين من أجل اكتساب المهارات الأساسية ذات الصلة بفن الفيديو عبر تيمات متنوعة يحضر فيها الذكاء الاصطناعي والروبوتيك و ألعاب الفيديو من أجل التأصيل لخطاب تربوي تكويني يمكن من الرقي بمستوى الانتاج الفني والابداعي للمستفيدين. علما أن حضور اسبانيا كضيف شرف رئيسي الدورة المقبلة من المهرجان سيمكن حسب نفس المتدخل من تفعيل برامج تعاون مشترك بين الفاعلين الثقافيين المغاربة والاسبان لانتاج أعمال فنية بالفيديو تؤكد العمق الحضاري في العلاقات بين المغرب واسبانيا و تنسجم مع الزخم الحاصل حاليا بخصوص التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 رفقة البرتغال. و في مداخلة له أكد احمد طنيش المسؤول الاعلامي للمهرجان أن الحضور الصحفي المواكب للندوة يؤكد أن هناك ايمان من طرف الاعلاميين بهذا المشروع الثقافي الذي يخدم بشكل أو باخر وطننا المغرب طالما أن هذا المهرجان هو فعل فني يحاول أن ينتصر لقيم الجمال و يبعث رسائل تلقي ايجابية نحو الجمهور المتلقي لفن الفيديو. و قد كان هذا اللقاء الاعلامي مناسبة حاول من خلالها عدد من الصحفيين التفاعل مع مداخلات اللجنة المنظمة، سواء من خلال ما طرحه البعض من ضرورة عرض منجز فني سمعي بصري من انتاج طلبة مغاربة خلال نفس هذا اللقاء للوقوف على ابداعية الشباب المغربي في هذا الفن أو من خلال استفسار البعض الاخر عن امكانية تضمين فقرات المهرجان لمعرض صور ثابتة أو متحركة بتقنية الفيديو الى جانب كتاب توثيقي كوساءط اتصال يمكن أن يتعرف من خلالها الجمهور المتوقع تفاعله مع هذا الحدث على أهم المحطات و المنعطفات التي عرفها المهرجان طوال ما يقارب ثلاثين سنة من العطاء والاستمرار في مشواره . في حين فضل اعلاميون اخرون اما التساؤل حول ماهية حضور اللمسة الفنية الانسانية في فن الفيديو اليوم في ظل الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يفرض سلطته على صناع المحتويات الرقمية المصورة أو الاستفسار حول عدم ادراج بعض المراكز الثقافية بالدار البيضاء لتكون فضاءات محتضنة بدورها لبعض فعاليات هذا المهرجان. و في تناغم مع تدخلات الاعلاميين أكد رشيد الحضري أن هناك حرص شديد بنفس نضالي لضمان استمرارية هذا الحدث الثقافي رغم قوة الاكراهات خاصة المرتبطة بالجانب التمويلي الذي لم يتعدى سقفه 200000 الف درهم مغربي منحته جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء كجهة منظمة و محتضنة لهذا المهرجان منذ بدايته. و بالتالي فحسب الحضري المنطق الواجباتي هو الذي يؤطر عمل اللجنة خصوصا أن هذا المهرجان يهدف دوما لتحقيق أهداف بيداغوجية لصالح الطلبة المغاربة في أفق تنمية مهارات القوة لديهم التي تمكنهم من الاندماج الايجابي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا. وهو نفس السياق الذي أشاد من خلاله السداتي بالدعم التاريخي الاضافي الذي قدمته وزارة الثقافة والشباب و التواصل في المغرب لهذا العرس الفني اعترافا منها بالمكانة التي يضطلع بها فن الفيديو في مشهدنا العام الثقافي اليوم، مؤكدا في نفس الاطار أن لجنة المهرجان تعمل حاليا على جمع و تصنيف وتوثيق المادة الارشيفية المؤرخة للدوارت السابقة في انتظار أن تشكل مرجعا لانجاز فيديو توثيقي و كتاب مرجعي يؤرخ لهذه التجربة الطويلة للمهرجان الذي لم يكن ممكنا تنظيمه حسب السداتي دائما في بعض المركبات الثقافية البيضاوية طالما أنها لا توفر الشروط التقنية والموضوعية الضامنة لانجاح البعد الفني لهذا المهرجان، معتبرا في نفس الان أن اللقاء الفكري المزمع عقده الجمعة القادمة 10 نونبر 2023 برحاب كلية الاداب بن مسيك سيكون فرصة كبيرة لمناقشة أعمق لموضوع فن الفيديو في علاقته بالرقميات الجديدة و خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي فرضت نفسها كمنتج جديد لهذا الفن الذي له قواعده الاصيلة التي لا غنى عنها.
تعليقات( 0 )