بقلم – سمير السباعي
يعتبر الماستر كلاص طقسا ثقافيا دأبت على تنظيمه مجموعة من المهرجانات الفنية بالمغرب، من أجل التأسيس لثقافة الحوار و استكشاف محددات التجارب الفنية للشخصية المحتفى بها بما يحقق تنشيط قناة تواصل أخرى لهذه الأخيرة مع الجمهور المتلقي تسمح لها فتح نقاش حول أبعاد مهمة في مسارها العام و منجزها الفني.
مقالات ذات الصلة
ضمن هذا السياق وفي اطار فعاليات مهرجان سيدي عثمان التاسع للسينما المغربية بالدار البيضاء، احتضنت المدرسة العليا للفنون والمهن بنفس المدينة يومه الخميس 23 نونبر 2023 على الساعة العاشرة صباحا ماستر كلاص مع الممثل والمخرج المغربي ادريس الروخ بحضور رئيس المهرجان عبد الحق مبشور. حيث عمل الناقد حسن نرايس عبر حوار ثقافي على استنطاق أهم معالم الممارسة الفنية عند الروخ بين خصوصيات المسار ومحددات الابداع الفني.
وقد كان هذا اللقاء الفكري مساحة نقدية للنقاش من خلال محاور رئيسية التقى فيها الحديث عن مخاض البدايات الفنية الأولى لضيف الماستر كلاص بنقاش الاطار الفني الناظم لاشتغاله داخل التلفزيون والسينما خاصة على مستوى شرطية الانجاز وصولا الى مقاربة ممكنات ادريس الروخ في انتاج عمل فني يجعل من الموضوع التاريخي أفقا للاشتغال الدرامي المصور.
وقد حاول الروخ التفاعل مع هذه المواضيع التي أطرت هذه الجلسة الفنية حيث أكد على أن تجربة المرور من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بعاصمة المملكة شكلت بالنسبة له محطة مهمة كان لها أثرها الداعم لمساره التكويني خصوصا أن تأطير المسرحي الراحل جمال الدين الدخيسي كان حاسما في تحفيز نفس الفنان على مواصلة مسار التكوين رغم الاكراهات التي كانت مطروحة حينها أمامه على مستوى تدبير العيش والاندماج داخل مدينة الرباط. الأمر الذي دفع الروخ الى الاقرار بأن المعهد كان لحظة تكوينية حرص من خلالها المؤطرون على توفير المناخ الكافي للطلبة لتجاوز ثقل الممارسات المسرحية ما قبل الأكاديمية وبعض الأحكام المعرقلة للابداع نحو انفتاح أكبر على مساحات جديدة من التكوين أساسها تعلم مبادىء الفن المسرحي كما عو متعارف عليها كونيا الى جانب باقي الأشكال التعبيرية ذات الصلة بأبي الفنون مثل الالقاء والارتجال وتقنيات ضبط الصوت عند الأداء، أخذا بعين الاعتبار أن هذه المحطة التعلمية حسب نفس المتحدث أنها كانت ممزوجة بأنفاس قراءية أنتجت ممارسة نشيطة لفعل القراءة أفادت كثيرا من الممارسين في التأسيس لمرجعية فكرية نظرية همت مجالات كالأدب والرواية والنصوص المسرحية.
ومن الواضح أن هذه الظلال التكوينية كانت موجها بشكل أو باخر للاختيارات الفنية لادريس الروخ في ما بعد داخل عالم الممارسة الاحترافية للفن سواء في مايتعلق بخشبة المسرح التي أكد أن فضاءها المفتوح ان صح التعبير على الجمهور، والقدرة على الثورة على النص الممسرح حفزاه على دمج الصورة كزاوية معالجة بصرية داخل عمل هذه المسرحية أو تلك بما في ذلك الاهتمام أكثر بعنصر الاضاءة وتعدد زوايا المشاهدة بعيدا عن سردية الحوار المسرحي، ما جعله عبر عملية مقارنة يشير الى أن وحدة الموضوع هي من تفرض نفسها على المخرج أثناء الاشتغال في التلفزيون بما ينتج شكل مخاطبة من نوع اخر للجمهور العمومي الذي ينتظر مناقشة درامية على شاشة التلفزيون لمواضيع ذات صلة بحركته وقضاياه المجتمعية داخل قالب ابداعي يتحكم فيه نوعا ما الخط التحريري الدرامي العام ان جاز القول لمؤسسة التلفزة العمومية كمنتج رئيسي لهذا الجنس الدرامي، حتى وان كان حسب نفس المتدخل جهد الممثل في مثل هذا النوع من الانتاج لن يتجاوز محاولة بناء عالم درامي تخيلي يقارب الحقيقة الواقعية من زاوية معالجة معينة لا أقل ولا أكثر .
ضمن هذا التحليل اعتبر ادريس الروخ أيضا أن هذا السياق لا يعني داخل تجربته الفنية الخاصة الا حرصا منه على حسن اختيار طاقم من الممثلين القادر على تجسيد وتمثل مكنون الشخصيات المجسدة على أسس ابداعية وتشخيصية وبمهارات اندماج واضحة في الحس الجماعي للعمل المنجز عبر عدسة ادارة تأخذ بعين الاعتبار أهم التفاصيل المتعلقة مثلا بالأداء و الأكسسوار لتقديم منجز فني ببعد جمالي وخطاب درامي مفهوم لدى الجمهور المتلقي تحضر فيه تجربة بعض الرواد وطاقات الابداع الجديدة عند الممارسين الجدد، بشكل يجعل من الممثل هو المحور الرئيسي لنجاح المنتوج المقدم ككل حسب الروخ دائما. و لم تفت الفرصة هذا الأخير التأكيد على أن الاشتغال داخل اطار الفن السينمائي يمنح دائما فرصة أكبر للابداع على حد قوله مقارنة بالعمل الدرامي التلفزيوني، ذلك أن مساحة الاشتغال الضيقة نسبيا ومحدودية الامكانيات المادية داخل التلفزيون الى جانب عدم القدرة على مناقشة بعض المواضيع تجعل السينما فضاء ابداعيا أرحب بالنسبة لأي مخرج.
وبخصوص حضور الموضوع التاريخي داخل العمل الدرامي الفني المغربي أكد الروخ، أن عمق تاريخ المغرب ويوفر مجالا خصبا لاختيار مواضيع عديدة ومناقشتها داخل أعمال فنية سواء ما يرتبط بأسماء بعض الشخصيات التاريخية أو ما يتعلق بأسماء بعض الفضاءات والأماكن ذات البعد الحضاري. لكن يظل الأمر رهينا بتوفر الاعتمادات المالية المهمة الكفيلة بانجاح هذا النوع من الأعمال الى جانب مجهود خاص يبذل على مستوى كتابة النصوص و دقيق معطياتها التاريخية بما يستلزمه ذلك من عمل فريق متكامل.
وقد كان هذا اللقاء مناسبة أيضا حاول من خلالها بعض من الجمهور الحاضر التفاعل مع ما جاء في هذا الحوار النقدي عبر مداخل متنوعة،كالاستفسار عن جديد أعمال ادريس الروخ المسرحية وسؤاله عن هوامش الممارسة الممكنة للشباب الصاعد و المبدع التي يمكن أن يرتادها داخل الاعمال الفنية الحالية في ظل تعامل المخرجين المغاربة مع نخبة معينة من الأسماء الممثلة، وصولا الى التساؤل عن خصوصيات التلقي للعمل الفني بين جمهوري التفزة والسينما. وهي مداخلات عمل من خلالها الروخ الى جانب حسن نرايس وعبد الحق مبشور تقديم اضاءات اضافية حولها انصبت في مجملها، على التأكيد على ضرورة وجود وقفات زمنية تسمح للمخرج بإمكانية الاشتغال على نص مسرحي أو حتى كتابته بشروط موضوعية تضمن له الولادة الناجحة فوق الخشبة، دون الحاجة للانخراط المبالغ فيه في عروض مسرحية بشكل يعيق عملية الانتاج و التلقي الازمين للفن المسرحي، مع التأكيد أيضا أن الزخم الرقمي الذي يعيش في خضمه شباب اليوم أصبح وسيطا جديدا يمكن أن يستثمر من طرف هؤلاء للتعريف بمواهبهم الفنية وعرضها أمام الفاعلين في الحقل الفني على اعتبار أن الموهبة تعتبر هي جواز المرور الحقيقي نحو عالم الممارسة الاحترافية في الفن المغربي.
وقد جاءت الاضاءة الأخيرة لتوضح أن مساحات الاختيار و طبيعة المنجز الفني داخل التلفزيون تفرض على هذا الأخير انتاج مستوى معين من التلقي، على عكس السينما التي تمنح المخرج والممثل فضاء واسعا للابداع ومقارعة المواضيع المتنوعة عبر شاشة سينمائية يكون المتلقي هو المسؤول فيها لوحده عن اختياره تلقي ما تقدمه من انتاج فني.
تعليقات( 0 )