بوطيب الفيلالي
صدر مؤخرا للدكتور محمد العمراني، الأستاذ الباحث في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كتاب قيم تحت عنوان ” من أعلام قبائل غمارة خلال القرن السادس عشر سيدي أحمد الفيلالي سيرة شيخ زاوية “، والذي يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب الحديث، تزامن وحكم الشرفاء السعدبين وبالضبط فترة حكم السلطان عبد الله الغالب بالله، الذي استمر فيه تصدر المكانة الدينية والإجتماعية للزوايا الصوفية، التي كما نعلم كان لها دور مهم في بروز وقيام الدولة الشرفاوية بداية القرن السادس عشر الميلادي. هاته المكانة التي أصبح المخزن السعدي، ينظر إليها بعين الريبة والتوجس، سواء خلال عهد محمد الشيخ السعدي، أو خلال حكم ابنه عبد الله الغالب بالله الذي سار على نفس النهج، في مراقبة ومزاحمة زوايا صوفية وشيوخها، والتي نذكر من بينها زاوية الشيخ الصوفي، أبي القاسم الغازي بن محمد الدرعي
الفيلالي (ت.981هـ/1573م) بقصر تابُوبْكرْت بتافيلالت، والتي كانت من الزوايا الصوفية المعروفة، بأدوارها التربوية والفكرية والاجتماعية إبان القرن السادس عشر، فنالت نصيبها من سياسة الإقصاء والتضييق، التي مارسها السلطان عبد الله الغالب بالله السعدي(ت.981هـ/1574م)- كما قلنا –
ضد الزوايا الصوفية الزروقية خصوصاً، والزوايا الصوفية الجزولية عموماً. وبسبب ذلك رغب الشيخ سيدي الغازي، في البحث عن مناطق آمنة من نقمة السلطان المذكور، قصد تأسيس فروع جديدة لزاويته، فأمر تلميذه الشيخ سيدي أحمد بن محمد الفيلالي البوزراتي الغماري، الذي يدور عليه مدار هذا الكتاب، بالذهاب إلى بلاد غمارة لتأسيس زاوية غازية هنالك.
الدكتور م.العمراني ولتنوير درب الباحثين والقراء، يتساءل في بداية البحث في سيرة الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، والتي قد يثيرها الباحث الجاد في التاريخ الحديث في سياق استقرائه الدقيق لفترة السلطان عبد الله الغالب بالله السعدي (965-981هـ/1557-1574م) يتساءل إذن حول : لماذا وجَّه الشيخ
سيدي الغازي، تلميذه سيدي أحمد الفيلالي إلى بلاد غمارة بالتحديد، لفتح زاوية جديدة له هنالك؟ ألم تكن أراضي المغرب واسعة لتأسيس فروع جديدة للزاوية المذكورة؟ ألم يجد مكاناً آمناً سوى بلاد غمارة لتأسيس زاوية جديدة بها؟ هل كانت بلاد غمارة خارجة عن طاعة السلطان عبد الله الغالب بالله السعدي حتى يختارها الشيخ سيدي الغازي مجالاً جديداً لنفوذه الروحي؟
وللإجابة على هاته الإشكالية ذات التساؤلات المتوالدة، يؤكد صاحب الكتاب، بأنه قد تكفَّل بالإجابة عن ذلك في الفصل الثاني، ومضيفا – لمزيد من تنوير طريق القارئ – بأنه لا بأس من التذكير، بأن وجود منطقة بادس المجاورة لبلاد غمارة خاضعة للنفوذ التركي، إضافة إلى توتر علاقات السلطان عبد الله الغالب بالله السعدي مع الأتراك، وشدة عدائه لهم، وتشديده الخناق على نشاط الطرق الصوفية الزروقية، المواليةللأتراك وللمرينيين والوطاسيين، تظل عوامل وجيهة، وعناصر إجابة واضحة عن التساؤلات المذكورة. في حين يؤكد الدكتور العمراني، بأن سياق اختياره البحث في سيرة الشيخ الصوفي سيدي أحمد الفيلالي البوزراتي الغماري ووظائف زاويته، فإنه لم يأت تحت الطلب كما هو حال بعض الباحثين
المعاصرين في تأليف سير الأعلام الفكرية والصوفية والسياسية، وإنما أتى مصادَفة حسنة؛ وموضحا في سياق ذلك، بأنه شاهد منذ بضع سنوات في إحدى قنوات «اليوتيوب»، تسجيلاً مُصوَّراً أعدَّته إحدى طالبات قبيلة بني بوزرة، عن وادي (خندق) اللجوج الذي استقر فيه الشيخ المذكور، وأسس فيه زاويته، وانقطع فيه رفقة أصحابه وأتباعه للعبادة والتبتل والقيام بأعمال البر
والإحسان، وهو ما أثار فضوله العلمي للتعرف على ذلكم الشيخ الصوفي، خصوصا خلال اطلاعه على مصادر ترجمته وما كُتب عنه قديماً وحديثاً، وهو ما مكنه من تجميع معطيات نفيسة بالرغم من قلتها، شجعه على السير قُدماً، في وضع دراسة مستفيضة عن سيرة حياته، وذلك بتكثيف عملية البحث والتنقيب، في الخزائن العامة والخاصة عن المادة العلمية، ومشاورة ذوي الاختصاص من أهل العلموالمعرفة، وشد الرحلة إلى قبيلة بني بوزرة، لزيارة وادي اللجوج المذكور الذي عاش فيه
الشيخ سيدي أحمد الفيلالي ردحاً من الزمن، ومعاينة ما تبقى من آثار زاويته ومرافقها المختلفة، وزيارة قرية أناراي التي دُفن في قنة جبلها،حيث يوجد بها ضريحه اليوم… كما أكد د.العمراني استعانته بمقابلات شفهية، أجراها خلال زيارته لقبيلة بني بوزرة، مع جملة من أعلام هذه القبيلة
وغيرهم، قصد إغناء الكتاب من بعض الروايات المتناقلة بين الغماريين، عن مناقب الشيخ سيدي أحمد الفيلالي وكراماته الصوفية، وعن بعض العادات والأعراف التي تتخلل الموسم السنوي الذي يُنظَّم في ضريحه خلال فصل الخريف.
مؤلف الكتاب يؤكد كذلك، بأن عوامل أخرى تنضاف إلى عامل المصادفة، قوَّت العزيمة على تأليف هذا الكتاب، أهمها اتصال موضوع هذه الدراسة بميدان اهتمامه العلمي الدقيق، الذي هو تاريخ الزوايا والطرق الصوفية والذهنيات في المغرب، ثم اندراجه زمنيًّا في إطار العصر الحديث، فضلاً عن رغبة د.العمراني بهذا المؤلف – الذي ينضاف إلى مؤلفات وإسهامات أخرى- في الإسهام إلى جانب ثلة من العلماء والباحثين المعاصرين، في التعريف بأعلام قبائل غمارة ومعالمها الدينية والفكرية
والاجتماعية عبر تاريخها المديد، أمثال سعيد أحمد أعراب، وعمر الجيدي، وعبد القادر العافية، وعبد الواحد الجيدي، ومحمد ابن عزوز حكيم، وعبد الله المرابط الترغي، ومحمد الهبطي المواهبي، ومعاذ البكوري، ورجاء الحبوسي، ومحمد ياسين الهبطي، وموسى المودن، ومحمد أثار وغيرهم.
أما الكتاب، فقد قسمه صاحبه إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. حيث أفرد المؤلف الفصل الأول للتعريف بالشيخ سيدي أحمد الفيلالي، وجعله في ثلاثة مباحث أساسية: حيث عرض في المبحث الأول، مصادر دراسة سيرة هذا الشيخ، وهي مصادر متنوعة التخصصات المعرفية، تناهز خمسة وثلاثين مصدراً مكتوباً، توزعت ما بين كتب مخطوطة وأخرى مطبوعة ومنشورة، ورسائل وأطاريح جامعية مرقونة، ومقالات في مجلات، ومواد في موسوعات. و تناول المبحث الثاني، مسألة نسب الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، حيث تم الكشف وبالأدلة القطعية والحجج البرهانية زيف ادِّعاء الفيلاليين البوزراتيين، الانتساب الطيني إلى الدوحة النبوية الشريفة، مع تفنيده لجملة من المعطيات الواهية الواردة في الرسم «العدلي» المزيَّف الذي بأيديهم الآن، عن ترجمة الشيخ المذكور، استناداً إلى حقائق تاريخية، معلومة لدى المؤرخين والمحققين الخبراء بتراجم الأعلام. أما في المبحث الثالث فتم التحدث عن ولادة هذا الشيخ، ونشأته في مسقط رأسه بضاحية قصر تَابُوبْكَرْت بتافيلالت، وعن تكوينه العلمي والصوفي في تافيلالت وبلاد المشرق.
وخصَّص الفصل الثاني للحديث عن انتقال الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، إلى قبيلتي بني بوزرة بغمارة وبني سعيد بالريف الشرقي، مع جعله في مبحثين اثنين: حيث تنوول في المبحث الأول، انتقاله إلى قبيلة بني بوزرة في مطلع ستينات القرن السادس عشر، بينما تحدث في المبحث الثاني، عن انتقاله إلى قبيلة بني سعيد بالريف الشرقي في مطلع ثمانينات القرن المذكور.
أما الفصل الثالث، فتناول الوظائف الحيوية التي اضطلع بها الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، كما تم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث؛ تطرق المبحث الأول إلى وظيفته التربوية،
وفي المبحث الثاني بعض معالم وظيفته الاجتماعية، في حين تم الكشف في المبحث الثالث عن وظيفته الجهادية، وإسهام زاويته من بعده، في حماية الثغور المغربية المتوسطية من الاعتداءات الأجنبية.
وتم الاعتناء في الفصل الرابع بذكر تلامذة الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، ووفاته ومدفنه وزيارته وكراماته، حيث وزع إلى مبحثين اثنين؛ في المبحث الأول ذكر بمن عرف من تلامذته، أمثال محمد بن محمد الرتبي، وأحمد بن أبي بكر بن جعفر السوسي، وأحمد بن يوسف الزياتي، ومَحمد بن سعيد الكومي، وعبد الرحمان الفيلالي، وعيسي بن محمد البطوئي الراسي، وعلي بن قاسم الجريري التوزاني، بينما تم التحدث في المبحث الثاني، عن وفاته ومدفنه وزيارة ضريحه وبعض كراماته.
وتناولت خاتمة هذا العمل، تسجيل أبرز الاستنتاجات والخلاصات، التي عَنَّت من دراسة سيرة الشيخ سيدي أحمد الفيلالي ووظائف زاويته. كما تم تذييله بملحق للوثائق والصور، وبقائمة للمصادر والمراجع، وبفهارس عامة شملت فهرساً للأعلام البشرية، وفهرساً للأعلام الجغرافية، وفهرساً للطوائف والفرق والجماعات، فضلاً عن فهرس للمحتويات.
تعليقات( 0 )