ذ: محمد بادرة
عندما تتساقط علينا في اليقظة وفي المنام صور الاشلاء البشرية، اشلاء ضحايا مجزرة غزة من الاطفال والنساء وكل الابرياء جراء حرب هوجاء يقودها معتوهون مضطربو الشخصية والعقل متعطشون لدم الابرياء نعتقد انه من الصعب الشعور بالتفاؤل بالحياة او الانتصار على مثل هذه القوة المتوحشة-الغاشمة وعلى ذهنيته الارهابية.
مقالات ذات الصلة
لكن من الغباء قياس الواقع السياسي بناء على الشعور بالتفاؤل او التشاؤم فللواقع دائما قوانينه واحكامه وما على الانسان الا ان يتحلى بالعقل الفطن الهادئ والذهن الصافي في وسط هذه الاحداث الدامية حتى يرى الواقع كما هو ليستطيع سبر اغواره وحركاته بناء على رؤية ما يجيش في عمق هذا الواقع من غليان وغضب وصراع و هو ما سيخلق واقعا جديدا نستشرف به المستقبل وسط اعاصير النكبات والازمات.
لقد رسمت لنا هذه الحرب الهمجية ضد الانسانية المستضعفة صورة الغربي (الاوربي او الامريكي) وسعيه لتوسيع دائرة مصالحه ونفوذه محيطا ” امبراطوريته ” بهالة من الافكار والشعارات والرموز والاعتقادات ناظرا الى نفسه كقوة مهيمنة، وخاسر كل من يتحداه لأنه صاحب العنف ومصدره وهو عنف قاهر يستند الى قوة قاهرة، عنف يمارس باسم الشرعية التي يفرضها بقوته .. ويبرر ما تقوم به “اسرائيل” من عنف وهمجية وتصفية وجود لشعب اعزل على انه “حقها” في ممارسة العنف باسم (الديموقراطية وحقوق الانسان والرخاء العمومي لشعبها) !! و- جريمة القتل – هو رد الاعتبار لدولة الاحتلال (الجريحة في كبريائها).
لقد فضحت هذه الحرب “المقدسة” تحالف الغرب الاوربي والامريكي ضد الانسانية المستضعفة والعالم اليوم يتابع ويتأثر بالصور البشعة والمقرفة التي تسوقها كل وسائل الاعلام، فهي اشد همجية من كل ما شهدته البشرية في تاريخها، هي اسوا من مذابح صبرا وشاتيلا واسوا من مذابح الهولوكوست ويحتمل ان تكون على المدى القريب او المتوسط اشد همجية وعنفا من المحرقة التي يسوقون لها منذ الحرب العالمية الثانية؟؟ فكم من الفلسطينيين سيقتلون؟ وكم من المدن الفلسطينية ستدمر؟ وكم من المباني ستدك على الارض؟ حتى نفهم ان الوطن ممنوع من الوجود وان الحرية لا يستحقها الفلسطيني المنكوب والمهجر والمحاصر؟؟؟
لقد كذب الغرب وكذب مثقفوه واعلاميوه على شعوبهم وبرروا لهم ان الحرب في غزة هي حرب ضد الارهاب وانه اذا كان يتعين دحره فلابد من استعمال العنف بكل وسائله المبررة وغير المبررة!!! واستطاع “زعماؤهم ” يمينيين واشتراكيين ومحافظين على السواء ان يرغموا الجميع حتى مثقفيهم ومنظماتهم “الانسانية” يبررون لهم ان قدرا من العنف ربما كان لازما في كل رد فعل دفاعي مشروع ( مسوغين لدولة الاحتلال هذا “الحق” في العنف )
قبل زيارة المستشار الالماني للقدس وبعده رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس وزراء بريطانيا وبعدهم ماكرون اختار لهم الاحتلال قبل وصولهم طقوس “التعازي” بالدم والاشلاء بعدما اخذوا منهم الدعم اللامشروط لاستعمال القوة فقامت قوة الاحتلال بقصف مستشفى الاهلي المعمداني الذي اوقع 500 شهيد من المدنيين اطفالا ونساء قدمت اشلاؤهم لهؤلاء الزعماء وكأنها “قربانا” للتطهير من “الشر” لكن المحتل ومعه الغرب ينسى ان المقاومة والثورة الفلسطينية قد خرجت من مذابح كثيرة مثخنة بالدماء والجروح ونجحت في الافلات من التصفية الكاملة وفي الافلات من القضاء عليها كقوة محاربة في ساحة الصراع العربي الإسرائيلي والمقاومة والثورة الفلسطينيتين هما اشبه بمخلوق اسطوري له عدة رؤوس كلما قطعت واحدة منها نبتت بدائل لها وهو مخلوق لا يعرف الطرق المسدودة التي لا منفد لها.
كان من احدى اهداف الإسرائيليين من وراء المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وتجويع السكان في غزة والضفة هو ان يقبلوا الوضع الراهن(العيش في غيتوهات بدون امن وكرامة) لكن عنق المقاومة الفلسطينية عصية على القطع وانه اذا كان مطلوبا تصفية الفلسطينيين كمقاومين وثوريين فان اخر فلسطيني لا يملك الا ان يكون مقاوما وانه لا فائدة من سحق الفلسطينيين.. واذا كان من الضروري اللهاث والجري والبحث عما يسمى بالحل السلمي الشامل في الشرق الاوسط فان هذا لا يمكن ان يتحقق الا بوضع امال الفلسطينيين في مقدمة الاعتبارات وليس مجرد اجبارهم على قبول الوضع الراهن او تسفيرهم الى دول الجوار وهو مخطط قديم كان قد عبر عنه (هيرتزل) مؤسس الصهيونية حين عبر عن موقف اسرائيل من سيناء والتي اطلق عليها آنذاك (فلسطين المصرية) وهي نفس الاسطوانة التي تردد اليوم (ما اشبه اليوم بالبارحة)
مما لا شك ان المجزرة الحالية لم تختم فصولها بعد حيث كانت كل المجازر السابقة ما تنتهي فصولها الاولى حتى تستأنف من جديد وتعود سيرتها الاولى، وبقدر اصرار الفلسطينيين في الثبات على النضال والمقاومة والتمسك بموقفهم الوطني في اقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة يصر الإسرائيليون على تصفية الانسان الفلسطيني وتجريده من حقوقه وابعاده عن ارضه وعزله عن امته فتدفع بهم الى المناطق المعزولة لتسهل تصفيتهم او تنفيهم الى مناطق مكشوفة تقي المحتل من تسرب المقاومين الى داخل الارض المحتلة ولقد سبق ان حاولت دفعهم نحو اغوار الاردن وصحراء سيناء بمصر للاستيطان بها لكن هذه المؤامرة لم يفلحها النجاح للصمود الخرافي للشعب الفلسطيني.
لقد صمدت المقاومة الفلسطينية في غزة وصمد الثوار في الضفة منذ عقود امام عاصفة المؤامرات وعاصفة الحروب وأثبت الواقع ان تصفية المقاومة ليست عملية سهلة ولا يمكن ان تمر تحت ستار من الصمت، فخرجت الثورة والمقاومة من كل المعارك مثخنة بالجراح وربما منهكة القوى لكن بقيت ثابتة في مواقفها ومواقعها وازاء هذا الواقع اصبحت وحدة الكلمة والبندقية الفلسطينية مطلبا لا يقبل الارجاء او التأجيل.
وحدة الخنادق والبنادق الفلسطينية لا تعني ولا يمكن ان تعني مصادرة حق الخلاف والاجتهاد الفكري والسياسي والاجتماعي بين كل اطراف وقوى التحرر الفلسطينية سياسية كانت ام عسكرية ام ثقافية ام طائفية ام دينية لان تعدد الآراء والاجتهادات مطلوب في اطار الوحدة الوطنية اما المرفوض فهو تعدد الزعامات والقيادات غير المنضبطة للتوجه الوحدوي والوطني مما يضعف قوى الثورة ولا يضيف اي قوة لها.
لا خيار اذن امام الفلسطينيين الا الوحدة والمقاومة بجميع انواعها
ذ. محمد بادرة
تعليقات( 0 )