تعديل مدونة الأسرة وتنمية قدرات المرأة القروية بجبال الأطلس: كيف يصبحا خطان متوازيان؟

بقلم امحمد القاضي*
شهدت ساحة الدخول الإجتماعي لهذه السنة نقاش عمومي مستفيض حول تعديل مدونة الأسرة، لإدخال إصلاحات من أجل تقويم بعض إختلالات في النصوص الحالية وتقديم إقتراحات تساير تطور المجتمع المغربي ومتطلبات سيرورة عالم متغير.
إذا كانت تحسين أوضاع المرأة وضمان التماسك الأسري هو الهدف المقصود، فربما هناك جانب تقوية قدرات المرأة القروية كرافعة تنموية محلية أسمى من كل التعديلات.
حين تسافر بين الحواضر الكبرى للمملكة وقرى الأطلس الصغير، فإنك تسافر بين عالمين متناقضين، وزمانين متباعدين، كما هو الحال في أفلام الخيال العلمي. إذ يلامس المسافر وسط مملكة موحدة الفرق الشاسع بين المغرب النافع والمغرب الغير النافع، ليس في المجال الترابي فقط، بل في بعد التنمية البشرية، وهي الأهم.
بالنسبة للمرأة بجبال الأطلس الصغير، وخاصة منطقة أيت عبد الله بإقليم تارودانت، فقد توقفت عندها عجلة التنمية في القرن الماضي، وتعطلت عندها قاطرة التطوير الذاتي والعجلة الإقتصادية بعد توالي كساد الدورات الفلاحية. فتعديلات مدونة الأسرة لا تدخل في دائرة إهتماماتها والإصلاحات مهما تقدمت لست ضمن أولوياتها، رغم أن إيجابيات التعديلات قد تطالها وتستفيد منها يوما ما.
المخاطب في تعديلات المدونة هي المرأة الحضرية، النقاش والموائد المستديرة منحصرة بالمدن، لأن المسؤولين يعلمون علم اليقين أن نقاش كهذا لن يلق إستجابة ولن تستوعبه المرأة القروية.
إهتمامات المرأة القروية تتمركز حول الخبز اليومي، تحسين الأوضاع المعيشية، ضمان الإستقرار الأسري، تجويد العرض الصحي للنساء المستقرات، وتقريب الخدمات العمومية للساكنة وتوفير مؤسسات تربوية عمومية محلية لأبنائها، تنزيل برامج تقليص الفوارق المجالية، محاربة آفة الأمية، و مظاهر الفقر والهشاشة، توفير الماء الصالح للشرب، خلق أنشطة مدرة للدخل، وتحديات أخرى لا يتسع المجال لحصرها.
جل مواضيع النقاش العمومي يتجاوز إدراك ساكنة الجبال، والمرأة القروية على الخصوص، وتقصى من العملية التشاركية، بحجة عدم القدرة على التجاوب. وضعية فرضتها عقود من التهميش والإقصاء فإتسعت الهوة لدرجة يصعب معها تدارك الفوارق.
إدخال تعديلات على بنود مدونة الأسرة ليس ثرفا، بل ضرورة أملتها تطور المجتمع المغربي، لكن إلحاق المرأة القروية بالركب، وتحسين أوضاعها المعيشية ضرورة أخرى غفل عنها الغافلون. لا تستقيم إصلاحات المودنة في ظل تدهور وتراجع أوضاع المرأة الجبلية. الإستمرار في تهميش المرأة القروية، وإغفال تمكينها فكريا وإقتصاديا لمسايرة التطورات المجتمعية، وتقوية قدراتها لإستيعاب التحولات الفكرية، غياب برمجة ورشات توعوية وتحسيسية مستمرة بالبوادي لتدارك التأخير الزمني وتقليص الفوارق المجالية هو فقط مزيدا من هدر الوقت وتعميق التناقضات وتأكيد على وجود مغرب بسرعتين. مغرب الحواضر بسرعة مسترسلة، ومغرب الأعالي بسرعة معطلة.
محور كل التعديلات، وعصب التنمية، وعماد السياسات العمومية، ومقاصد الأديان، والإهتمام المشترك هو تحسين عيش الإنسان. فكل إهتمام يخرج عن هذا القصد فهو خارج التاريخ ومصيره ألامبالات.
لقد جنينا سوء تدبيرنا لعدة قطاعات لعقود خلت، منها تعليم الناشئة وتمكين المرأة؛ وستقطف أجيال المستقبل تمار تقاعسنا في إصلاح الفوارق.
لكي لا يظل المغرب مغربين، ونوحد النقاش ونعمم الخطاب ونشترك الإهتمامات، ونقرب المسافات، فلا مفر من ربط الجسور وفتح ورش وطني لإصلاح ما هدمه الإهمال وعمقه الإقصاء، وعطلته فشل برامج التنمية البشرية. فهذا ليس بعزيز على إرادة مغرب أوراش المونديال وعزيمة وطن التحديات الكبرى.
*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

مقالات ذات الصلة

أخلاق مهنة التعليم والتدريس في منظومتنا التربوية

العولمة ونظامنا التربوي : من الاختراق الى الهيمنة

مقالات ذات صلة

أخلاق مهنة التعليم والتدريس في منظومتنا التربوية

العولمة ونظامنا التربوي : من الاختراق الى الهيمنة

لهيب الاسعار يشتد والمخطط الاخضر في قفص الاتهام

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)