عفوا أستاذي…

بقلم: يطو لمغاري

عفوا أستاذي: يتطفل بعض الناس على عالم الأستاذ. يتهمونه بما ليس فيه. والأستاذ رمز التضحية والعطاء. منارة العلم، القائد المرشد المنير، يعلم يدرس يدرب، ينير يضيء يربي، يقود يرشد ينشط، يعرف يذلل يُفرح، يحنو يعطف يُشفق، يسهل يساعد يصاحب، يتعاطف يناقش يحاور، يوجه ينخرط  يحقق، يتقاسم يصالح يناضل، يحقق يخطط ينشئ، يشرح يكتب يقرأ، يحرر يكرم يتضامن، يوثق يخلص ويخلص، ينمي يهتم ويفكر، يحفظ يحضن ويحتضن. يضحي يُجد ويجتهد.

مقالات ذات الصلة

الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية

توظيف آليات عفا عنها الزمن لإنتاج الوجاهة السياسية والدينية والإجتماعية ” درعة تافيلالت نموذجاً “

عفوا أستاذي: الأستاذ يضمن كرامة التلميذ وحريته. يعلم معنى الصداقة والتضامن والمساواة، يساهم في تنمية البلاد. لكنه يتعرض اليوم لهجمة شرسة تروم تشويه سمعته، وتقزيم مكانة المدرسة العمومية. هجمة ترد تراجع المستوى التعليمي للمتعلمين، إلى تهاون الأستاذ وغيابه. لكن الحقيقة غير ذلك. فالأساتذة  أصحاب قضية ورسالة. قضية استمرارية المدرسة العمومية. ورسالة تربية أطفال اليوم، نساء ورجال الغد. وتكوين الأطر العلمية والتقنية، التي تمكن بلدنا من الرفعة والسمو إلى مستوى الدول المتقدمة.

عفوا أستاذي: الإجهاز على المدرسة العمومية بهدف تنزيل مبدإ الخوصصة، في إطار المخطط  الممنهج للرأسمالية العالمية المتوحشة،  والذي يستهدف القطاعات غير المنتجة كقطاع التعليم والصحة. إهانة المعلم اليوم، إهانة للبلد، صدمة للمتعلمين. للأجيال الصاعدة التي تتعلق أعينها وعقولها بالمعلم، المربي. فهو صانع الطبيب. والأستاذ والمهندس والربان، والمحامي والقاضي والمفكر والفنان … وهو الذي يُقوم السلوك، يربي الأجيال. إنه رسول النور والعلم والقيم.

عفوا أستاذي: علمتَني الحروف والكلمات. رسمت في ذهني الصورة الجميلة للإنسان المكافح المجد المثابر. هديتني وصقلت مداركي، شحذت عقلي، شحنت نفسي بكل ما هو جميل، جمال الصورة والمعاني، أكسبتني قوة الشخصية ورجاحة العقل. وضعت في بنيان صرحي الشامخ، أولى اللبنات والأسس. علمت الإنسان، صنعت مجد الوطن. وكانت المرحلة تقدر مجهودك وتمنحك الشرف.

عفوا أستاذي: أن يصير الأستاذ محط سخرية من التلميذ والأسرة والمجتمع، وموضوع تنكيت. ومشجبا تعلق عليه خسارة الجميع. ما لا يقبله عقل ولا منطق. وتعود بي الذاكرة والذكريات، أتذكر فترة الصبا، المراهقة والشباب، فترة التعليم الجامعي. كنا نكن لأساتذتنا كل التقدير والاحترام. ولم نكن نتجرأ على قدسيتهم. بل كنا نغير الطريق إذا ما صادف والتقينا أحد أساتذتنا، في شارع من شوارع المدينة. أما إذا التقينا الأستاذ ومعه زوجته، فإننا نسرع فارين نخلي بدل الشارع اثنين أو ثلاثا، كما لو أننا نرتكب جريمة في حق خصوصية الأستاذ وحريته.

عفوا أستاذي: الأستاذ يعيش بين إكراهات العمل وصعوبات الحياة. يحمل عبء أسرته الصغيرة والعائلة الكبيرة. وعبء تلامذته من الذين ينتمون لأسر معوزة. ويحمل وزر الوطن. تنزيل النظام الأساسي المجحف. حادثة سير خطيرة قام بها قطار أهوج، شقت جدار المواطنة والقيم في بلدنا، ورسمت شرخا كبيرا بين ما يطلب من الأستاذ، كحامي للقيم والمبادئ والأخلاق. وبين ما يتعرض له من إهانة  وإهدار لكرامته. فكيف سيتمكن الأستاذ من تلقين قيم السلم والتسامح، والتضامن والكرامة، والمساواة ؟؟ وهو الذي مُسح بكرامته بلاط الأرض.

عفوا أستاذي: إن البلدان المتحضرة التي تحترم نفسها. تُنزل الأستاذ منزلة حسنة،

هنا تحضرني  بعض الكلمات قيلت في حق الأستاذ:

“لا خير في أمة يهان فيها المعلم.”

“وجود مهنة المعلم جعلت، من العلوم منارة تشرق على الجميع.”

“ليس حرا من يهان أمامه إنسان، ولا يشعر بإهانة.” نيلسون مانديلا.

حقا إن كرامة الإنسان خط أحمر.

عفوا أستاذي: إن الأستاذ يقبض على القيم، والمبادئ والأخلاق، كالقابض على الجمر الحامي. الأستاذ يحنو على التلميذ الطفل ، يعطف على التلميذة الطفلة. وهو الأقرب إلى التلميذ المراهق من والديه. ينصت إليه يتفهم معاناته. يوجهه إلى عدم الانزلاق في طريق الإدمان. يلقن المراهقة مبادئ حفظ كرامتها وصون أنوثتها وإنسانيتها. واعتبار جسدها، أمانة كتب عليه اسمها واسم عائلتها لابد من حمايته، من الانحراف إلى دروب الفساد والبغاء والدعارة.  الأستاذة هي الأم الثانية بعد الأم البيولوجية، والأستاذ هو الأب الثاني بعد الأب البيولوجي. والأساتذة هم نخبة المجتمع والبوصلة التي توجه فئات المجتمع نحو المسار الصحيح.

عفوا أستاذي: قمة الوقاحة أن تهين الأستاذ، أمام الملأ. وفي الغد ترسل أولادك إليه  لكي يعلمهم ويربيهم، ويلقنهم الاحترام والمواطنة وحب الوطن. أتذكر هنا بعضا من كلمات وردت في رسائل خطية من تلامذتي، تلقيتها في نهاية السنة الماضية، أهديها لكل أستاذة وأستاذ يبادل تلامذته الحب نفسه. تقول تلميذتي سناء: ماذا  أقول في حقك أستاذتي، تتزاحم الأفكار، تختلط المشاعر بين الفرحة والبكاء؟ يقول تلميذي أنور: إن كلماتي تبقى ناقصة عن مستوى مشاعري تجاهك، أستاذتي. أما  تلميذتي هاجر فتقول: إن لساني ليعجز عن التعبير بما في دواخلي تجاهك أستاذتي. وتلميذي محمد يقول: أستاذتي أنت النبراس والهدى والخير كله. تلميذتي ثريا تقول: أستاذتي أحبك، أحترمك وأعزك الآن، غدا وإلى الأبد….

عفوا أستاذي: لو لم يكن الأستاذ لتعفن العالم، في براثن الجهل والأمية والتخلف، والفقر بجميع أصنافه، الفقر الأخلاقي والعلمي والعاطفي و القيمي. إن الأستاذ هو صمام الأمان للمجتمع. هو الطبيب المعالج المداوي، يشفي أمراض الأمية والانحراف والجهل. يعالج التلعثم، التعثر، التردد، التخوف. الأستاذ يحمي من التوحد، الانعزال، الانزلاق،  الاعوجاج الارتباك والانحراف. علمه بلسم شاف من كل الأدواء والعيوب، “حطوا على الجرح يبرا”. فرفقا بأساتذتنا إنهم تيجان على رؤوسنا.

تصبحون على وطن يُحترم فيه الأستاذ. أهنئكم بالسلامة من آفة إهانة كرامة الأستاذ. وإهدار حقه في العيش الكريم.

مقالات ذات صلة

الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية

توظيف آليات عفا عنها الزمن لإنتاج الوجاهة السياسية والدينية والإجتماعية ” درعة تافيلالت نموذجاً “

خطاب تاريخي هام لماكرون امام البرلمان و رواد التواصل الاجتماعي كشفوا عن امر مضحك ومبكي

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)