التراث المعماري بجهة الدار البيضاء سطات تحت مجهر البحث التاريخي

الإخبارية: سمير السباعي
توثيق: مصطفى الزعير

يشكل الثرات المعماري بجهة الدار البيضاء سطات مجالا خصبا للبحث الأكاديمي من أجل استجلاء معالمه الحضارية و ممكنات استثماره في مشاريع التنمية الراهنة ببلادنا.

مقالات ذات الصلة

مهرجان أنوال للمسرح بتازة في دورته التانية: “تظاهرة فنية تجمع بين الإبداع والمجتمع”

ندوة تثري المشهد المسرحي المغربي: دار الثقافة بقلعة السراغنة تستضيف خبيراً للحديث عن مسرح الطفل

ضمن هذا السياق احتضنت كلية الاداب والعلوم الانسانية ابن مسيك بالدار البيضاء يومه الجمعة 27 اكتوبر 2023 على الساعة العاشرة صباحا بفضاء قاعة عبد الواحد خيري بنفس الكلية مناقشة أطروحة دكتوراه في التاريخ تكوين المغرب و العوالم الغربية، تقدم بها الطالب شفيق رزيق تحت عنوان التراث المعماري في جهة الدار البيضاء سطات دراسة تثمين وتنمية والتي انجزها تحت اشراف الدكتورين خالد السرتي ومبارك بوعصب، اللذين شاركا في لجنة المناقشة الى جانب الدكاترة شعيب حليفي ونعيمة الحضري وجلال زين العابدين وعبد اللطيف خلابي.

وتناغما مع المتعارف عليه في مثل هذه المناقشات العلمية فقد حاول الباحث شفيق رزيق عبر ورقة تقديمية بسط الخطوط العريضة المؤطرة لهذه الأطروحة و أشكال الاشتغال المنهجي والميداني التي اعتمدت لمقاربة موضوع العمل، قبل أن يعمل الأستاذان المشرفان على البحث خالد السرتي ومبارك بوعصب بشكل عام التعريف بالسياق العام الذي أطر مشروع انجاز هذا العمل البحثي، والمرتبط أساسا بالالتزام تنفيذ برنامج عمل مشترك تم الاتفاق عليه مع مركز تدبير التراث وتثمين المجال التابع لجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء قصد انجاز أعمال بحثية بمقاربة ميدانية وتكاملية بين عدة تخصصات تشتغل على جوانب من تراثنا المغربي قصد استجلاء ممكنات تثمينه وجعله رافدا لتحقيق تنمية اقتصادية مجالية، الى جانب استثماره معلوماتيا داخل منصة رقمية تستطيع أن تقدم محتويات علمية ميدانية لها علاقة بالتراث للمهتمين وباقي الفاعلين.

وتجدر الاشارة أن مداخلة الأستاذان أكدت على الصعوبة الواضحة التي وجدها شفيق رزيق عمليا أثناء اشتغاله على هذا الموضوع، الذي يتطلب الماما بمهارات أكثر ميدانية وتقنية متعلقة بفنون التراث المعماري بشكل عام.

وقد حرص أعضاء لجنة المناقشة بدورهم على أن يناقشوا المنجز البحثي الذي تقدم به الباحث شفيق رزيق من مداخل متعددة، و هو ما ستحاول هذه الاضاءة الاعلامية الوقوف بشكل عام على أهم ما جاء فيها من قراءات متنوعة.

فالأستاذة نعيمة الحضري ركزت بشكل كبير على حجم ونوعية حضور المعجم المصطلحي الخاص بفن العمارة داخل اطار العمل المقدم، معتبرة أن الباحث أغفل الاعتماد على موسوعات خاصة بهذا الفن التراثي الى جانب موسوعة معلمة المغرب والتي كان من شأنها أن تقدم اضاءات معرفية في ما يخص بعض المصطلحات الأمر الذي أنتج حسب رأيها ارتباكا وخلطا في كثير من ما قدم داخل هذا البحث، هذا اذا أخذنا بعين الاعتبار كذلك اشارتها حول عدم التعريف بشكل كاف ببعض المعالم المعمارية ذات الحمولة التراثية داخل متن نفس العمل مثل زاوية مولاي أمغار الشهيرة.

وقد كان عنوان الأطروحة محط ملاحظات من طرف نفس المتدخلة على اعتبار غياب أي اشارة للفترة الزمنية موضوع البحث كشرط رئيسي متعارف عليه في مثل هذه الأبحاث التاريخية بما يساهم في حصر الموضوع داخل اطار زمني محدد قابل للدارسة دون محاولة الحديث عن تراث المعمار في جهة الدار البيضاء سطات داخل امتداد زمني طويل لأنه غير ممكن على المستوى الاجراءي.

بالاضافة الى تقديم ملاحظات حول ما يمكن تسميته بلبس مفاهيمي طالما أن الباحث حسب الحضري، لم يستطع التمييز بين مفهوم العمران ذي الحمولة الخلدونية المرتبطة بحالة وشروط الاجتماع الانساني وبين مفهوم العمارة الموحي بقواعد جمالية وهندسية لها علاقة مباشرة بفن البناء، علما أن ادراج الباحث لمصطلحات بعينها كالطابية واعتماده على كتب غير المتخصصين لشرحها أفقدها حمولتها الموضوعية حسب نفس الاستاذة على عكس لو تم الاعتماد مثلا على شروحات ابن خلدون الذي وصف الطابية بشكل أوضح كتقنية تراثية في البناء تعتمد على دك التراب وخلطه بالكلس اعتمادا على صلبه بقالبين خشبيين. هذا اذا ما انتبهنا أيضا الى اشارة نفس المتحدثة التي انتقدت بشدة عدم اعتماد الباحث على منشورات المعهد الوطني للتراث وعلوم الاثار بالرباط والتي كانت ستعطي للعمل قيمة اضافية كبرى بحكم ارتباطها المباشر بموضوع البحث، الى جانب ملاحظات أخرى ذات طبيعة تقنية همت بعض الأوصاف داخل العمل المتعلقة بهذه العمارة أو تلك. و قد حرص الأستاذ جلال زين العابدين هو الاخر في بداية مداخلته على الاشادة بالعمل و بمجهود الباحث الواضح والكبير على اعتبار أنه محاولة بحثية مشكورة للترافع عن جزء من موروثنا المعماري التاريخي، الذي يعتبر حسب نفس الأستاذ مرتكزا حضاريا لبناء أفق ثقافي واقتصادي على غرار تجارب بعض البلدان التي نجحت في استثمار هويتها الحضارية التراثية داخل مشاريع اقتصادية كبرى مثل ما قامت به قطر، أثناء استضافتها لكأس العالم الأخيرة.

الا أن أدبيات المناقشة لم تمنع زين العابدين من الوقوف على بعض النقاط في العمل ومناقشتها من حيث المنهجية المعتمدة والموضوع. لقد اعتبر المتحدث في هذا الاطار، أن ثقل وزخم الألفاظ المستعملة في العنوان أمر غير مفهوم، طالما أن الحديث عن لفظ “دراسة” يعني عند قراءته أن الباحث قام فعلا بانجاز دراسة شاملة حول موضوع البحث وهو الأمر الغير ممكن تحققه، الى جانب ما اعتبره غموضا في توظيف كلمة ” تثمين” التي لم يحدد استعمالها الدلالي هل الأمر مرتبط هنا برغبة شفيق رزيق الحديث عن سبل لتثمين هذا التراث المعماري للجهة المجالية المعنية بالبحث؟ أم هي محاولة للكشف عن اليات استثمار هذا الأخير على المستوى التنموي؟! وهو ما جعل الأستاذ المتدخل يقدم بديلا ممكنا للصيغة التركيبية اللغوية التي جاء بها عنوان الأطروحة وهي ” الواقع وافاق التثمين”، علما أن زين العابدين انتقد ما سماه الانتقاءية الغير مبررة من طرف الباحث الذي فضل الحديث باسهاب حسب نفس المتحدث عن بعض المنشات المعمارية دون حديث عن أخرى بعيدا عن أي انسجام أو مبرر موضوعي،بشكل أدى بالباحث الى حشو العمل بمجموعة من المعطيات البعيدة نسبيا عن موضوع البحث والتي كان يمكن تقديمها على شكل توطئة أو مدخل موجز، و نخص هنا الحديث عن الغطاء النباتي و الحرفي والفلاحي لجزء كبير من المجال المدروس دون بروز أي خيط ناظم يربطها بالموضوع المركزي للبحث ككل حسب نفس الأستاذ، الذي اعتبر أن غياب العمق الاشكالي هو ما أربك العمل المنجز ذلك أن مساحات الاشتغال كان بامكانها أن تتجه نحو دراسة علاقة التراث المعماري للجهة المدروسة بالتنمية، باتباع المنهج البحثي التاريخي الذي ينطلق من التعريف مرورا بالتفسير ووصولا الى تركيب للنتائج والخلاصات، خصوصا اذا ما تم تطعيم العمل بمجهود بحثي تحليلي للمعطيات الميدانية الموجودة، وهو ما جعل فهم البحث المقدم يبرز أكثر في الخاتمة و ليس في المتن الرئيسي حسب زين العابدين.

وقد جاءت مداخلة الأستاذ عبد اللطيف خلابي بدورها لتقدم قراءة من زاوية أخرى للبحث المناقش، حيث أشاد المتحدث نفسه بالقيمة الموضوعاتية للأطروحة و بالجهد المبذول من طرف الباحث، مع تقديمه لمجموعة من الملاحظات التي رام من خلالها توجيه رزيق الى ضرورة تصويب بعض النقاط داخل العمل سواء على مستوى الشكل أو المضمون. في هذا الاطار اشار الخلابي الى الارتباك الواضح في تصنيف العمارة داخل متن الاطروحة مشيرا الى ممكنات اعتماد معيار التدقيق و التصنيفات الجامعة مثل العمارة المدنية، التي يمكن أن تكون بديلا لغويا جامعا لكل أنواع العمارة الدينية والفكرية الى اخره من هذه العمارات، بالاضافة الى التأكيد على أن هناك تضمين لمحاور تظهر غير ذات صلة بالموضوع المركزي للبحث علما أن عدم تحديد الفترة الزمنية المدروسة أعطى انطباعا بأن الزمن التاريخي مفتوح على مصراعيه وهو أمر لا ينسجم مع ضرورات بروز هوية الباحث في التاريخ كمتخصص في دراسة حقبة زمنية بعينها.

ولم تفت الخلابي فرصة الاشارة الى ملاحظات أخرى متعلقة بالايقاع اللغوي و أسلوب التحليل المتبع من طرف شفيق رزيق داخل البحث المنجز، معتبرا أن هناك عدم دقة في تحديد المجالات داخل الجهة المدروسة و هي منطقة تتمازج فيها الفضاءات الحضرية كمدينة الدار البيضاء بأخرى بدوية كالشاوية ودكالة بشكل كان يدعو الباحث حسب خلابي الى العمل على ضبط أكبر للمجال المرغوب في دراسة عمارته التراثية، للتحكم أكثر في الموضوع خصوصا اذا تبين لنا حسب نفس المتحدث أن هندسة الأطروحة كانت يجب ان تكون مركزة و مرتبطة مباشرة بالعمق الموضوعاتي للاشكالية مقترحا في هذا الصدد، اعتماد ثلاثة ابواب الأول يكون خاصا بالحديث عن الأسس و المقومات لهذا التراث المعماري بالجهة والثاني يخصصه الباحث للكشف عن خصائص ومظاهر هذا الموروث المادي والثالث يكون مساحة يتم فيها مناقشة الافاق التنموية لهذا المعمار التراثي.

مع الاشارة الى أن خلابي كان حريصا في كلمته على أن اعتماد الباحث على الدراسات والأبحاث المنجزة في الموضوع أكثر من المصادر وقفزه على بعض الفترات التاريخية لبعض العمارات التراثية أحدث نوعا ما خللا في العمل المقدم.

وقد شكلت مداخلة الأستاذ شعيب حليفي هي الأخرى محطة رئيسية حاولت أن تقدم قراءة اضافية بعمق أدبي ومنهجي حول هذا العمل الأكاديمي، حيث اعتبر الأستاذ المتدخل أن موضوع الأطروحة يمنحها قيمة مضافة في مشهد البحوث المنجزة بشكل يساهم في اغناء الرصيد البحثي من الدراسات الجامعية المنجزة الى الان في بلادنا.

وقد اعتبر حليفي في بعض ملاحظاته أن ربط البحث بجهة كبيرة مجاليا مثل جهة الدار البيضاء سطات شكل ما يمكن أن نسميه عطبا منهجيا في العمل، ذلك أن دراسة التراث المعماري في مثل هذه المجالات تحتاج الى فريق متكامل من الباحثين، علما أن نفس المناقش تحفظ على توظيف كلمة “جهة” نظرا لأنها لا تمثل في نظره الا وصفا وتقسيما سياسيا للمنطقة يطرح نقاشا الى الان وقابل للتغير.

وبالتالي كان الأجدر بالباحث حسب حليفي حصر المجال المدروس داخل منطقة تاريخية يستطيع التحكم في سياقاتها وتراثها ضمن افق زمني واضح محدد المعالم.

ولا ننسى أن نفس الأستاذ انتقد غياب التوازن بين فصول وأبواب البحث الذي لم يحتوي حسب رأيه على نفس تحليلي متناغم و متكامل مع باقي التخصصات المعرفية ذات الصلة بالموضوع من قبيل الأنتربولوجيا و السوسيولوجيا، الى جانب اغفال الاعتماد على دراسات ومراجع معتمدة ومحكمة ومعروفة في المشهد القراءي الأكاديمي، مع الاشارة الى عدم تسليط الضوء على ذاكرة جزء مهم من معمار الدار البيضاء التاريخي ونقصد هنا كاريان سنطرال مع التأكيد على عدم وضوح نتائج الأطروحة وما توصلت اليه من خلاصات.

ونظرا للمجهود الأكاديمي المبذول في هذه الأطروحة، قررت لجنة المناقشة بعد المداولة منح الطالب الباحث شفيق رزيق درجة الدكتوراه في التاريخ بميزة مشرف جد.

مقالات ذات صلة

مهرجان أنوال للمسرح بتازة في دورته التانية: “تظاهرة فنية تجمع بين الإبداع والمجتمع”

ندوة تثري المشهد المسرحي المغربي: دار الثقافة بقلعة السراغنة تستضيف خبيراً للحديث عن مسرح الطفل

أول معرض في التاريخ يقام في الحروفية المغربية الصحراوية للفنان محمد البندوري

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)