متابعة: فهيم البياش
كلما دخلت أحد منازل سيدي بوبكر بجهة الشرق، إلا وصادفت شيئا مصنوعا من الحلفا بأياد محلية إما للاستعمال، أو من أجل التزيين. هذه المدينة الصغيرة ذات العمران الفرنسي، والمتاخمة للحدود مع الجزائر، تتميز بجو جاف وحار صيفا، وبارد جدا شتاء، يعتمد أغلب سكانها على المجهود الذاتي للعيش، كالرعي والصناعات اليدوية وكثير منهم يقومون بالتنقيب عن المعادن وبيعها.
تجتهد العديد من نساء المنطقة بصناعة سلال وأنواع أخرى من الأدوات المنزلية من الحلفا، بحيث تقمن بنسج خيوط نبتة الحلفا بعد تمريرها بعدة مراحل حتى تصبح جاهزة للاستعمال. كما أن الأغنام تتغدى عليها أثناء الرعي في الطبيعة او يتم قطعها وجلبها إليها لتتغدى عليها في المستقرات.
فنبتة الحلفا كما يسميها اهل المنطقة، هي نبتة خضراء ذات أوراق حادة طويلة، وهي تنتمي إلى النباتات النجيلية التي تنمو في المناطق الصحراوية بالعالم، وتسمى بأسماء عديدة بالدول العربية نذكر من بينها: الحلفاء، الهشمية، الحلفا بر، أو حشيش الجمل. وتسمى بالمغرب بأسماء مختلفة نذكر من أهمها: الحلفا أو الكديم.
تتواجد هذه النبتة بشكل كبير بمنطقة سيدي بوبكر بالجهة الشرقية من المملكة المغربية، وهي مصدر عيش لكثير من ساكنة المنطقة، إذ يتم استغلالها في كثير من الأمور اليومية مثل الرعي. وبسبب الاستغلال الكبير لنبتة الحلفا، نقصت أعدادها بشكل ملحوظ وتقلصت مساحات وجودها، فأصبح الراغبون في الحصول عليها يقطعون مسافات طويلة ومضنية، بل هناك من يقوم بشرائها بسبب نذرتها.
مقالات ذات الصلة
مشكل اخر بدأ منذ سنوات يواجه ساكنة مدينة سيدي بوبكر ونواحيها وهو أن الرمال التي كانت نبتة الحلفا تحد من زحفها، بدأت تقترب تدريجيا إلى الاحياء السكنية بالمدينة، وهي تغزوها بسرعة مخيفة خصوصا مع توالي سنوات الجفاف وسرعة الرياح بالمنطقة. تصرفات الناس ربما تبدو عادية وبسيطة بالنسبة لساكنة المنطقة، خصوصا وأنهم ألفوا وجود نبتة الحلفا بكثرة في حياتهم اليومية، إلا أن خطر اندثارها بشكل نهائي ستكون له نتائج قاسية على الحياة البرية والإيكولوجية، ذلك أن عددا من الحيوانات تتخذها ملاذا للتكاثر والحماية من المفترسات الأخرى، من بينها الارانب البرية وطيور الحجل والقُبًرَة والخنازير بالإضافة إلى حيوانات ابن اوى والثعالب… فأعداد هذه الحيوانات أصبحت نادرة مع ندرة نبتة الحلفا.
صورة تبين زحف الرمال إلى المناطق المأهولة بالسكان
بالإضافة إلى كل ذلك، فإن الإستغلال الغير المعقلن واللامسئول لنبتة الحلفا سواء من طرف الساكنة المحلية أو من طرف الرعاة من خارج المنطقة، لا يراعي الإستخدام المستدام للنظم الإيكولوجية التي ينص عليها الهدف الخامس عشر من اهداف التنمية المستدامة المعنون بالحياة في البر، والذي يهدف إلى ‘حماية واستعادة وتعزيز الاستخدام المستدام للنظم الإيكولوجية الأرضية؛ والإدارة المستدامة للغابات؛ ومكافحة التصحر؛ ووقف تدهور الأراضي وعكس اتجاهه؛ وإيقاف خسارة التنوع البيولوجي’.
فرغم الجهود التي تقوم بها بعض جمعيات المجتمع المدني المحلية والجهوية من أجل التوعية بالمخاطر التي ستنجم عن اختفاء نبتة الحلفا سواء على الانسان او على النظم الإيكولوجية، فإن اجتثاثها لا يزال مستمرا بشكل أرهق استمرار وجودها بمحيط مدينة سيدي بوبكر، لذلك يجب استثمار جهد أكبر من طرف الوزارة المسؤولة أو ممثليها والجمعيات البيئية من أجل تحسيس الساكنة المحلية بصفتها المستفيد والمتضرر الأول من وجود أو اختفاء نبتة الحلفا في حياتهم، وكذا تحفيزهم على المساهمة في انتشارها وتكاثرها. كما يجب إعطاء أهمية أكبر للمنطقة من أجل الحفاظ على موروثها البيئي الذي يتضمن نبتة الحلفا، من أجل ضمان استغلال مستدام للنظم الايكولوجية الأرضية بكل مكوناتها بالمنطقة
تعليقات( 0 )