الزلزال: ضرب زلزال عنيف بلدي المغرب ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023 على الساعة 23:11 . بضواحي مراكش وتارودانت. كانت بؤرته بمنطقة إغيل بالأطلس الكبير، بقوة 6.8 درجة على سلم ريختر. خلف أكثر من 2000 شهيد وآلاف الجرحى والمنكوبين. والزلزال ظاهرة طبيعية ناتجة عن حركة الصفائح التكتونية واصطدامها. والزلزال في اللغة هو بَلية مصيبة شديدة. وزلزل الشخص أزعجه، خوفه وحذره، فاضطرب اضطرابا شديدا.
الزلزال: الضربة الهزة، الصدمة الدمار الشامل، الخوف الرهبة، في ثوان وبلمح البصر: بيوت تهدمت، تكسرت بين الصخر كما يكسر البيض. والجبل جاثم بثقله على أضعف الخلائق، الدراويش من بني وطني، أدوا الثمن غاليا. فقدوا الملاذ والأمان والمكان. فقدوا الأحبة: الأم والأب الحضن الحنون. صاروا مشردين عراة في الخلاء. لا فراش لا غطاء لا سكن، والدفء أصبح في خبر كان. الصوت، صوت سرب الطائرات يقترب منك. صوت رهيب، صوت الأرض في الزلزال لا يوصف ولا يقارن. الانهيار الإقبار الجماعي. الجثت السكون الصمت الرهيب. وهول الكارثة انتشر. الأسف الحزن، الألم البلاء، البوار الرعب، الزوال الهدم، الضياع الضلال، الظلام العبث العطب.
مقالات ذات الصلة
الزلزال: هل تغدر الأرض بأبنائها؟. أم أنها من كثرة حبها لهم، احتضنتهم وآوت الأجساد المنهوكة تحت ثقل الزمن. تستر بؤسهم تمحو عنهم الذل الذي اعترى الأمكنة، البؤس والهوان الذي استشرى واستأسد. تمحو القهر عن الوجوه البائسة، تذروه حبات رمل في البراري. مطلقة أنات مدوية: آه ! لم أعد أحتمل قهر أبنائي فلذات كبدي. وهم يعانون البؤس الجوع، المرض الانتظار، دمعة العين المنكسرة، القهر. آه، آه !! وتزمجر غاضبة من قوة احتمالهم، الذي أغضب الحجر، أوقع القمر. والأطلس الذي ظل شاهدا على هول المأساة، انكسر وقلبه انفطر. فدوت الآهات ليسمع الداني والقاصي، أن إنسان الجبل لم يعد قادرا على احتمال ضربات الزمن، زمن الغلاء وسكون المكان .
الزلزال: وحين تمحى الدواوير البائسة من على سطح الأرض. يكسر عظام أبنائها صخر الجبل، وتنتشر الجثت في المكان. ويعجز الأطفال من هول الصدمة، عن فهم ما جرى. يتمنونه حلما مزعجا وانتهى. والبعيد جاء يتفقد الديار: الأم جثة هامدة، والأب دفن هذا الصباح، والأخ الأصغر يئن تحت الأنقاض. الدوار استحال ركاما خرابا ردما. أطلالا تشهد على أن الأحبة كانوا هنا. لكنهم رحلوا دون وداع. لم يتركوا رسالة ولا كلمة. دموع العين جفت والخاطر انكسر. الأحلام صارت أكاذيب وإشاعات خطها الزمن ومضى ” كلام الليل يمحوه النهار” . لم أكن أكذب يا أمي حين وعدتك بتحقيق الأمنيات. لكنني وصلت خارج الوقت المحدد. هذي هداياي هناك، لكنك أمي رحلت دون سابق إنذار. آه يازيف الحياة!، يا قصر العمر! يا زئبقية الوقت! لم ينتظر الزمن. وقطاري كان بطيئا، تأخر بدقيقتين . وحلت الكارثة.
الزلزال: يتجرع أبناء النكبة كؤوس المر. والنذل يحاكم الأموات، يتهم الجثت بامتهان الدعارة والفساد، لذلك حلت بهم اللعنة. أيها المخبول كفى كبرياء. فاللذين هلكوا فيهم الشرفاء والنجباء، والأبرياء، طوت يد المنون أجسادهم كما تطوى الصحائف. وأنت تدعي الفكر، ومَالَك من العقل والعلم حبة خرذل. أما تستحيي من هول الكارثة؟! أيها الشامت تسائل اليتامى من أطفال وصبايا، أخرست الصدمة ألسنتهم وأوقفت عقولهم عن التفكير، ولم يستفيقوا بعد من هول الصدمة. إرعوي فإن المصاب جلل، والضربة قاضية قاتلة قاسية قاصمة.
الزلزال: ولأننا لا نعيش ساعة مثل هذه إلا مرة واحدة في الحياة، فإنني أقتبس لكم من أحد الكتب ما يلي: “ضرب بغتة بصوت قاس ومصمم غاضب. فأحسست بانطباق حديدي …انتابني الرعب .. كنت مرهوبة ومشلولة، كأنني قد تلقيت طلقة باردة. حتى أن عقلي ما عاد يسعفني .. كنت أريد الدفاع عن نفسي والتخلص منه ..لكن إرادتي كانت كلها قد اتخذت الحياد. وكان كل حي يبدو قميئا وهو يعدو خائفا باحثا عن ملجأ، كان كل شيء في البشر كما في الحيوان، يدل على الخوف من هذا العنصر المنطلق من عقاله(الزلزال) الغضب، غضب الأرض وتشنجها، تحرر شحنة كهربائية حرارية عصبية تضغط على أوصالها.”. ( أربع وعشرون ساعة من حياة امرأة، للكاتب ستيفان زفايغ، ص 67.)
الزلزال: كم غير الزلزال من حياتنا؟؟ ، أن ينام الناس بالشارع، لم تكن الفكرة تخطر ببال أحد. ترك الناس المنازل التي تعبوا في بنائها وتأثيثها سنوات من العمر. زهدوا في المال، في الذهب، في الممتلكات والأثاث الوثير. ناموا يفترشون الثرى، يلتحفون السماء. تماما كما كان المشرد والأبله والمتخلى عنه. فعلوا الشيء نفسه. أصبح الشعور الوحيد المشترك هو الخوف من الزلزال، من الموت. لقد زلزل الزلزال حياتنا. فقدت الضوابط في الوقت في الزمان والمكان، في الأكل والشرب والرغبات والاختيارات، في الأحلام والمتمنيات والأولويات وفي الأحاسيس أيضا. مرضت النفس وأصابتها حمى الاضطراب. لقد أصبح المنزل محط خوف، بعدما كان الملجأ والملاذ. لقد انتابنا ذعر تسلل إلى سويداء القلب. والسؤال المطروح: هل كانت الحياة حقيقة، أم أنها زائفة زائلة، زائدة زائغة. تعادل الكذب والبهتان والافتراء.
تصبحون على وطن. من أرض سليمة معافاة. أهنئكم بالسلامة من الموت بضربة زلزال. لروح شهدائنا السلام. ولجرحانا الشفاء العاجل. سلام على وطني حين يجتاز المحن، بكل ذاك الجمال.
تارودانت: 19/09/2023.
كانت تجربة قاسية لن ننساها ما حينا ، من فرنسا شكرا على هذا المقال