ارتكاز التعليم على طريقة ما، ليس في الواقع إلا معاونة المتعلم على فهم معرفة جديدة، وإدراك زائد للوصول به إلى طريق الحقيقة.
ومعناه: أن الطريقة إيحاء من جهة، ودعوة إلى بذل الجهد والمبادرة من جهة أخرى، وحينما نبحث في الطرق القديمة التي لجأ إليها الأولون والمحدثون أيضا، نجد أنها جميعا تهدف إلى نفس الغاية.
فالأساليب التي استعملها « سقراط» كانت من اجل معاونة المتعلم على الفهم، وهي أيضا وسيلة لتوليد فن العقول.
وتبقى القضية الطريقة هي محاولة لتسهيل العملية التعليمية في أي مستوى، وفي أي زمن، ولذلك نرى أن المحاولات تبذل بين الحين، والآخر من أجل التسلق في سلم الطرق بحثا عن الأحسن والأنسب للإدراك البشري.
ولهذه الغاية استسلم المربون لما اقترحه العالم الألماني «فرديرك هربارت» في « دنيا التدريس»، استسلموا لطريقته لأنها مبينة على: المدخل- العرض- التمرين- التثبيت، واستساغوها رغم أن الأسس النفسية التي ترتكز عليها قد فقدت الآن كثيرا من مقوماتها.
وفي إطار الحركة العارمة التي يشهدها التي يشهدها البحث العلمي في ميدان الطرق الدراسية، نلاحظ اليوم أن الحقل التربوي يضج بالمبادرات، ويغلي بالمنافسات، يحمسه في ذلك توافر الوسائل، وتقدم المعرفة وصخبها، ودخول التكنولوجيا ميدان التعليم بشكل واضح.
والجدير بالقول: أن هذه الحركة في يمدان الطرق ليست مقصورة على التعليم النظامي، أو على تعليم الصغار فقط، ولكنها شملت أيضا قضية الكبار التي غدت إحدى مسائل التربية الكبرى التي يفسح فيها المجال للتخصص، والدراية، والخلق، والإبداع.
وإذا كان الموضوع المطروح للمناقشة هو: طرق تعليم القراءة والكتابة للأميين، فإن السؤال الملح هو:
لماذا يهتم في ميدان محو الأمية بتعليم القراءة والكتابة بالدرجة الأولى؟
إن الاهتمام بالقراءة والكتابة في مجال محو الأمية آت من أن القراءة تعتبر هي المفتاح، وهي الوسيلة الأكثر التصاقا بالفكر وبالتراث، وبالثقافة بشكل شامل، إذ بواسطة فك الرموز المكتوبة يمكن التفتح على العالم، والمشاركة فيه، والاستجابة: فكريا، ووجدانيا، ونفسيا، إلى مضمون المقروء وأهدافه، وهذا يعتبر من أسمى الأهداف.
ثم إن القراءة تهذب الحس، وتجبر على تثمل المواقف وتصورها، إذ أن النص المقروء إذا توفرت فيه الشروط اللازمة تكون له القدرة على الإثارة والاجتذاب، وعن طريق النصوص المقروء المهيأة في عملية محو الأمية بالشكل المرغوب تتسلل كثيرا من المفاهيم في مضمار التربية الأساسية، وفي إطار ربط التعليم بمشكل التنمية، والواقع المعيش، وبظروف الدارسين التي تختلف باختلاف البيئات، والظروف، والأحوال.
ورغم ما بذل في ماضي السنين في مضمار مكافحة ظاهرة الأمية، فإن الصورة لم تتغير كثيرا.
لكن يجب أن نقف هنا وقفة متأنية لنؤكد حقيقة جلية، وهي أن جهود محو الأمية في المغرب جهود واضحة.
منذ سنة 1976 بدئ في حملة شاملة تكفلت بها وزارة الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية سابقا بشكل رسمي، وبقرار ملزم، فتركزت هذه الجهود في مراكز التربية والتشغيل في صفوف النساء والفتيات.
ويمكن القول بأن الصورة الآن قد تغيرتن ولم تعد قائمة، فقد أدت هذه المراكز التي تناثرت في مدن المغرب وقراه دورها، وعملت على التخفيف من عبء الأمية، لكن ذلك قد تطلب جهودا في مجال بعث طريقة تعليم الكبار، والوقوف على معطياته وأسسه النفسية والتربوية، رغبة في الوصول إلى ما هو أنفع وأنسب وأجدى.
ولذلك كان لابد من الوقوف على ما هناك من أساليب وطرق مقترحة من طرف مدارس علم النفس والتربية، ومعناه أن ميدان محو الأمية وتعليم الكبار جدير به أن يعرف أن ثمة ما يسمى « الطريقة التركيبية» وما يسمى « الطريقة التحليلية»، فما معنى ذلك؟
* الطريقة التركيبية:
تبدأ بتعليم الحروف ثم تنتقل إلى الكلمات، ثم إلى الجمل، وفي هذه الطريق يهتم المعلم بتوجيه أنظار الدارسين وأذهانهم إلى الحروف الهجائية، وأصوات هذه الحروف.
ثم يتدرج بهم إلى نطق كلمات تتكون كل منها من حرفين أو أكثر، وهذا هو وجه تسميتها« بالطريقة التركيبية» لأنها تقصد أولا إلى الأجزاء، ثم تركيب هذه الأجزاء لتكوين الكل.
وقد عاشت هذه الطريقة دهرا طويلا تعلمت بواسطتها أجيال كثيرة لأنها سهلة أمام المعلمين، ولأنها أعطت نتائج سريعة، ولكن إلى جانب ذلك، فإنها تحمل عيوبا كثيرة، فهي تبعث شيئا من الممل والسأم، وتجعل الدارسين ينطقون كلمات قبل التعرف على معناها.
ثم إن هذه الطريقة تخالف طبيعة الذهن في الإدراك، ذلك أن الإنسان- كبيرا كان أو صغيرا- يرى الأشياء ككل وجملة، فهو يرى الشجرة كلا، ثم تبين أغصانها، وأوراقها، وفروعها، وسائر أجزائها.
وعلاوة على ذلك، فإن « الطريقة التركيبية» تربي عادة القراءة البطيئة، لأن الجهود توجه إلى التهجي، وتجزئة الجملة، وقراءتها كلمة كلمة.
وإذا كانت هذه الطريقة قد تخلى عناه كثير من المربين فلأن عيوبها النفسية والمنطقية كثيرة إذا قيست بالطريقة الكلية التي يعتمد فيها على الانتقال من الجزء وفق المنظور « الجشطالتي».
– الطريق التحليلية
وسبب الميل إلى تبني « الطريقة التحليلية» أنها ترتكز على كثير من الأسس العملية التي أثبتت صحتها النتائج المعرفية التي تحققت من جراء التطبيق والممارسة.
وأساس هذه الطريقة أن الدارس يعرف كثيرا من الكلمات، والجمل، قبل البدء في عملية القراءة، وأثناء درس القراءة يعرض أمامه نص فقرة أو جملة مما يسمعه ويفهم معناه، أو قد يستخرج من خلال موقف تربوي، أو تعليمي، أو حياتي معين.
وبعد النطق بكلمات النص صورة وصوتا ينتقل به المعلم تدريجيا إلى النظر في أجزائها بعد أن يكون قد فهمها، واستوعب معانيها، قبل تجزئتها للوصول إلى الحرف المقصود، ومن ثم سميت هذه الطريقة « بالطريقة التحليلية».
وقد تبين بالملاحظ والاستقراء أن هذه الطريقة تقوم على أساس نفسي، وهو : البدء بالوحدات المعنوية، وهي: تزود الدارس بثروة فكرية ومعرفية عن طريق النصوص والجمل، علاوة على الكسب اللغوي، وإذا كان فهم الكلمة في إطار « الطريقة الجزئية» فيه شيء من الحدس والتخمين، فإنه في « الطريقة الجزئية» فيه شيء من الحدس والتخمين، فإنه في « الطريقة الكلية» يتم عن طريق السياق الذي وردت فيه الكلمة، وهي بالتالي تعود الدارس فهم المعنى.
ورغم ذلك فقد خالطت هذه الطريقة بعض السلبيات، لكنها لا تزحزحها عن الامتياز أو القبول على الأقل، ذلك أن هذه الطريقة تحتاج لعدد من الوسائل المعينة، ثم إن استيعاب جملة واحدة، أو فقرة، قد يصعب في المراحل الأولى.
وإذا كان هذا مطروحا بحدة في ميدان تعليم الصغار، فإنه أقل حدة في ميدان الكبار.
وإذا كان المربون قد وجدوا أن عيوب « الطريقة الجزئية» أكثر من عيوب « الطريقة الكلية» فإنهم يعترفون بقدر من المزايا موجود في « الطريقة الجزئية».
وقد درج الناس قديما على أنا يأخذوا من كل شيء أحسنه، ومن ثم فقد اشتقوا من الطريقتين طريقة تجمع بين مزايا الاثنين، وتتجنب عيوبهما، وسموها « الطريقة المزدوجة» أو « الطريقة التحليلية»، « الطريقة التوليفية».
ومعناها: أن تقدم للدارس في البداية وحدات معنوية كاملة للقراءة، وخلال التحليل تتم العملية الصوتية لتمييز أصوات الحروف، وربطها برموزها، في هذا تحقيق لمزايا « الطريقة الصوتية»، وفي المراحل الأخيرة من درس القراءة تتم معرفة الحروف الهجائية اسما ورسما.
وبهذا تتم العودة من الجزء إلى الكل بواسطة الإتيان بكلمات وجمل من طرف الدارسين.
إن الحديث عن « الطريقة التربوية» في القراءة عام، ينطبق على تعليم الصغار والكبار، ذلك أن علماء النفس قرروا أن الإنسان، كل الإنسان، يدرك الأشياء جملة قبل أن يدركها أجزاء، لأن معرفة الكل أسبق من معرفة الجزء، ويبقى الفرق بين الكبار والصغار في هذا المجال في الموضوع، والوسائل، والمواقف، والتعامل، ذلك أن الكتاب، والنصوص، والوسائل، التي نتعامل بها مع الدارس الكبير، غير تلك التي تستعمل مع الصغار، إن النصوص يجب أن تؤخذ من اهتماماتهم، ومن قضايا حياتهم، وظروف أعمالهم، كل ذلك مع مراعاة أعمارهم وبيئاتهم.
ولذا فإن القائمين على هذه الشؤون يفكرون أولا عند الإقدام على إحدى الحملات في طبيعة الدارسين وبيئاتهم، وحتى يهينوا لها من الوسائل والكتب ما يناسب، وكمثال على ذلك تعليم القراءة للقرويات.
ثم إن هذا الموضوع يخالف بطبيعته وأهدافه ومحتواه موضوع القراءة حينما يهيأ للذكور الأميين أو حتى الأميات في مناطق حضارية، ومعنى هذا أن النجاح في دروس القراءة يرتكز أساسا على الموضوع، وخلق الحافز، وعلى أن يكون الموقف التعليمي فيه شيء من المرونة؛ ويقصد بالمرونة استعداد المعلم أو المعلمة في هذا المجال، أي: أن يكون أو تكون مستعدة للتخلي عن طبيعة التعليم النظامي الذي له أهداف غير هذه الأهداف، وهذا يعني أن دروس القراءة تنجح طرقها أكثر عندما يكون المعلم قد تدرب في ميدان تعليم الكبار، وغمرته مبادؤه وأهدافه، ودرس عن قضية نفسية الكبار.
وبعد هذا كله يشترط في نجاح دروس القراءة أن يكون ثمة حافز التعلم، وكلما كان هذا الحافز معنويا كان أكثر فائدة وجدوى، ويمكن أن يوجد الحافز إذا سبقته حملات التوعية، وشعور تام بضرورة تعلم القراءة والكتابة، لما أصبح لهما من دور أكثر خطورة في عصرنا اليوم، وما أكثر الأمثلة التي يمكن أن تضرب هنا.. !
إذن، يبقى من المحتم- قبل انتظار أي نجاح في تدريس مادة القراءة- أن تلعب التوعية دورها في جلب الاهتمام، ودعوة كل المؤسسات ذات الصبغة التربوية الإعلام، الصحة، الشؤون الاجتماعية، دور الشباب..» إلى القيام بواجب التحميس، والتشجيع، وبعث الحافز في الأوساط التي يراد محو الأمية بينها، وهذا كله يمكن إدخاله في طرق تعليم القراءة للكبار بشكل عام.
وإذا كان الاهتمام بتعليم القراءة للاميين يأتي في الدرجة الأولى، فإن تعليم الكتابة هو كذلك شيء ضروري ربطه بالقراءة، وقد جاء في أحد بنود الأهداف من محو الأمية أن جملة ما يهدف إليه من تنظيم حملات محو الأمية أن يستطيع الأمي في نهاية مرحلة الأساس كتابة فقرة يعبر فيها عن فكرة معينة أو شعور معين.
ومعنى هذا الكتابة في حملات محو الأمية عنصر أساسي، لكن الإشكالية التي تطرح دوما ونحن نتحدث عن تعليم الكبار، هي أن ثمة اختلافا في المضمون، أما الطرق والخطوات فغالبا ما تبقى واحدة، لأنها مبنية على أساس نفسي يستمد طبيعته من فلسفة الإنسان بصفة عامة، ومن طبيعة إدراكه.
والسؤال المطروح الآن هو:
– ما هي الكتابة؟
– ما الغاية من تعليمها في مجال الكبار؟
– كيف نعلمها في هذا المضمار؟
إن الكتابة معناها: هي نظام من الرموز بواسطته صان الإنسان أفكاره ومعارفه، ومنذ أن اخترع الإنسان الكتابة، فذلك هو الوقت الذي بدأ فيه حضاراته الحقيقية، إذ أن تاريخ الحضارة البشرية قبل اختراع الكتابة يعتبر ضربا من الأوهام والأباطيل.
فالكتابة وسيلة لتدوين الثقافة المتاحة، فقد ضاع قبلها ما ابتكره الفكر، نظرا لقصور الذاكرة.
إن الكتابة تستخدم كل يوم في الحياة الاجتماعية وفي غالبية الحرف والمهن قصد التوثيق، وتستعمل أيضا من أجل الاتصال عن طريق تبادل المراسلات.
فالكتابة إذن وسيلة صيانة، ووسيلة اتصال، والمقصود من تعليمها في يمدان محو الأمية هو : اقتدار الدارسين على الكتابة بخط مقروء يستطيع أي كان قراءة ما يكتب هؤلاء الدارسون، ومن ثم وقع الحرص على تحقيق صفة أساسية وهي صفة « المقروئية»، ومن الضروري أن يربط تعلم القراءة بالكتابة، لأن الكتابة وسيلة من وسائل التعبير: كالقراءة، والكلام، والحركة، والإيماء.
وفي إطار تعليم الكتابة للكبار نلاحظ أننا نعلمهم جميعا بطريقة واحدة؛ ولكن مع ذلك يكون لكل واحد منهم خطه الخاص، ومن هنا فليس مفروضا ولا منطقيا أن تطلب من الدارسين أن يكتبوا أو يلتزموا طريقة
موحدة في الكتابة، والدليل على ذلك هو أن الإنسان بصفة عامة، صغيرا كان أو كبيرا، عندما يتخلص من موقف التعليم والتعلم في مجال الكتابة، ويواجه بأدوار حياتية مختلفة، فإنه تتغير كتابته، ويبدأ يخط رموزه بالشكل الذي يحلو له.
ومعنى هذا: أن قضية الكتابة تخضع لسنن الجمالية والاتجاهات الفنية، ولذلك فإننا نلاحظ أن خصائص الكتابة ومميزاتها تتغير مع الزمن.
لذا، فإن المطلوب في مجال تعليم الكتابة للكبار هو الحرص – كما ذكرنا سالفا- على الوصول بهم إلى درجة الكتابة المقروءة، وقد يطمح بعض منهم إلى الإجادة في هذا المضمار معتمدا على ميوله الخاص.
إذن عن حملات محو الأمية يجب أن تراعي هذا الجانب، وتربي في الدارسين الرغبة في إتقان الخط، أو بعبارة أوضح أن تسعف الدارس على الوصول إلى الخط الشخصي الذي يكون قادرا على كتابته.
مقالات ذات الصلة
* كيف نعلم الكتابة للكبار؟
عندما يطرح مثل هذا السؤال بالصورة الآتية:
كيف نعلم الكتابة للصغار؟ يكون الأمر شديد التعقيد؛ ذلك أن الطفل الصغير عليه أن ينظر إلى النموذج، أي أن يدرك شكل الكلمات والحروف، ثم أن يترجم خطيا بفعل عملي هذه الصورة البصرية، متوسلا في ذلك ببصره، ودماغه، وأعصابه، وعضلاته.
إن البحث في مختبرات علم النفس وصل إلى أن إدراك رموز الكتابة بالنسبة للأطفال تتخلله صعوبة واضحة، وهي أن إدراكهم الحسي لا يتصور إلا في وقت لاحق.
وأما بالنسبة لأعضاء الكتابة فهي أيضا تطرح صعوبة في تعلم الكتابة، فالعظماء لم تتشكل بعد، ومازالت مع الغضاريف في طور النمو، في حين نرى عند الكبار أن عظام الأصبع الثلاثة واضحة، وهذا يعني آن البالغين يستطيعون القيام بحركات ثني وقبض تستعصي على الصغار.
كل هذا يبين لنا- ونحن نقدم على تعليم الكتابة للكبار- أن الجانب الحسي الحركي متوافر لديهم بخلاف الأمر عند الصغار.
ولعلنا بهذه المقارنة نستطيع أن ندلل على سهولة تعلم الكتابة عند الكبار إذا ما قسنا الأمر بالنسبة للصغار.
وكما يبدو، فإن حاجة الكبار للكتابة حاجة ملحة، وتزدادا هذه الحاجة في هذا العصر الذي أكد على ضرورة الاتصال الفكري، وتبادل الخبرات عن طريق الكتابة والتدوين، مما ينبئ بضرورة التفكير الجدي في الرفع من إيقاع هذا التعليم ليواكب هذه الجحافل من التقنيات التواصلية الهائلة.
فتعليم الكتابة هو الآخر اعتمد في القديم على « الطريقة الجزئية»، أي كتابة الحروف منفصلة، ثم جمع هذه الحروف في كلمات، لكن ثبت أنها طريقة غير منسجمة مع طبيعة الذهن في الإدراك، فوقع العدول عنها إلى كلمات أو جمل تامة، أو عبارات بسيطة.
وكما أشرنا إلى ذلك في « مادة القراءة» فإن الأمر أيضا بالنسبة للكتابة يجب أن تنتخب جمله وعباراته من عالم الكبار واهتماماتهم، وأن يربط ذلك بمادة أو موضوع القراءة، وهناك صور عدة لما يرغب الكبير في تعلمه هو اسمه: علي- أحمد- سعاد- عمر- فاطمة، ثم أسماه مختلف الأشياء التي يتعامل معها وبها: أدوات المطبخ- أثاث المنزل- أدوات الكتابة- السلع- الملابس- بعض الهوايات- بعض الأشغال، إلخ…
ومن بين ما يساعد على تعلم الكتابة أيضا تكرار كتابة بعض الكلمات في جمل منوعة مثل: إنني خطت قميصا، إنني اشتريت قميصا.
وخلال ذلك كله، يجب الحرص على صيانة الشكل المميز لكل رمز، وذلك كان كل رموز من رموز الكتابة يتحمل بعض التعديلات في تناسباته من دون أن يفقد مظهره، فإن هذا تسمح به التربية، لأنه هو الذي يعطي أخيرا كل دارس الطابع الشخصي للكتابة، غذ أن المطلوب في تعليم الأميين هي الكتابة التي تقرأ، أي: الحرص في ذلك على توفر صفة المقروئية.
في هذا النوع من التعليم لا يجب أن ينظر إلى موضوع الكتابة بالدرجة الأولى على أنه وسيلة من وسائل التعبير الفني، إنما يتحتم أن ينظر إليه على أنه وسيلة اتصال وصيانة؛ ذلك هو الفارق الأوضح- الموجود بالنسبة لتعليم الكتابة- بين الصغار والكبار.
إننا ونحن نعلم الأطفال الكتابة يدخل في الاعتبار قابلية المتعلمين الصغار في مختلف مراحل أعمارهم والخصائص الفردية، وكل ذلك م اجل أن نصل بكل تلميذ إلى أحسن نموذج، وأفضل خط، وكتابة شخصية تنسجم مع ميوله وقدرته على التقليد، ثم الإبداع.
إن هذا غير مطلوب ونحن نتعامل مع الكبار، إذ المطلوب هو الحرص على تحقيق صفة المقروئية، أي: الكتابة التي تقرأ دون عناء، وتحتفظ بشكل الرموز التي اكتسبتها الكتابة خلال مراحل التاريخ.
وتبقى ثمة نقطة مهمة في موضوع تعليم الكتابة للأميين، هي مسألة السرعة في الكتابة بالنسبة للكبار؛ فإذا كانت المدرسة الابتدائية لا تتحمل مسؤولية في تعليم سرعة الكتابة لروادها الصغار، لأن ظروفا سيكولوجية وعمرية تمنعها من ذلك، فإن عليها أن تعلمهم جودة الكتابة، والمبالغة في إتقانها أدناها المقروئية كما قلنا.
أما بالنسبة للكبار فإن الأمر يختلف، ذلك أن علماء التربية وعلماء النفس يقررون أن قضية السرعة في الكتابة لا تتم بنجاح إلا في سن المراهقة فما فوق.
ومعنى هذا أن بإمكان حملات محو الأمية في صفوف الكبار أن تصل إلى هدفها الأساسي في القراءة والكتابة إذا توفرت الشروط، أي: أن يستطيع الدارس كتابة فقرة بالسرعة المناسبة، وذلك نظرا لإمكانات فزيولوجية، وحاسية ذهنية، تساعد الكبير على تجاوز بعض الصعوبات التي كانت تعترض الصغير.
هذا قليل من كثير مما يمكن قوله في هذا الموضوع الخصب الذي يتسم بالجدة، ويمتلئ بالحيوية والحماس التربويين، مما يجعله يتطلب تحليلا أكبر، ومعاودة واعتصارا لأفكاره، حتى يقفز إلى الأفق المناسب كموضوع حساس ودقيق بين مواضيع التربية والعليم الشاملة التي تعنى بقضية تعليم الكبار، والذي أصبح له شأن عظيم في دنيا البحث التربوي.
والكل يعلم أن قضية تعليم القراءة والكتابة في ميدان محو الأمية قد تبدلت وتغيرت عما كانت عليه منذ عقود من السنين؛ ذلك أن توافر الوسائل السمعية البصرية، ووسائل الإعلام، والوسائل التكنولوجية الحديثة، والنمو المعرفي، والسير نحو إلزامية التعليم، والانتشار الواسع للطباعة، وتزايد أداوت الكتابة، كل ذلك جعل قضية تعليم القراءة والكتابة أمرا مسيرا أمام الكبار، خاصة إذا توفرت لديهم الرغبة والميل.
وقد ثبت فعلا أن بعض الكبار الأميين في بعض الدول التي تعاني من ظاهرة الأمية قد أخذوا يتجاوزون هذه الثغرة، فأصبحوا قادرين على فك رموز الكتابة، وذلك بما أظهروه من القدرة على قراءة بعض العناوين في الجرائد والمجلات، والتلفزيون، والسينما، والإعلانات التجارية وغير ذلك؛ بالإضافة إلى أنهم تمكنوا من كتابة بعض الأشياء الأولية والضرورية، رغم أن ذلك ظل يفتقر إلى الأصول التي لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة التعليم المقصود.
ونستطيع أن نستنتج من هذا أن قضية محو الأمية تطورات هي الأخرى، وأن أسلوب تعليم القراءة والكتابة في صفوف الكبار يجب أن يتطور هو الآخر، وأن يقطع المسافات، وأن يغطي غطاء مناسبا لما يشهده التقدم المعرفي، ذلك أن الأمي الكبير اليوم أكثر جلاء ووضوحا من وسيلة الأمس.
وتبعا لذلك، فإن ما كنا نعرفه في المرحلة الأساس من وقت يجب أن يتقلص اليوم، ويتحتم أن يتم في مدة أقل.
ويمكن القول: بان هذه المسألة نستطيع التوسع فيها أكثر، خاصة إذا شاركت فيها عدة جهات، وأسهمت فيها عدة تخصصات.
تعليقات( 0 )